في ظل التطورات المتسارعة في المشهد السوري، تتباين مواقف القوى الإقليمية والدولية حول مستقبل البلاد، حيث تتداخل المصالح الاستراتيجية مع الحسابات السياسية والأمنية. تركيا تؤكد موقفها الرافض لأي تقسيم جديد لسوريا، بينما تواصل الولايات المتحدة دعمها العسكري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) دون تقديم ضمانات سياسية واضحة، في وقت تتصاعد فيه التوترات بين أنقرة وطهران بسبب تصريحات دبلوماسية أثارت استياء الطرفين.
في التفاصيل، جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تأكيده على رفض بلاده لأي سيناريو يؤدي إلى تقسيم سوريا، مشيراً إلى أن أنقرة ترى في وحدة الأراضي السورية مصلحة استراتيجية لها وللمنطقة بأسرها.
وخلال مأدبة إفطار رمضانية بحضور عدد من السفراء الأجانب في العاصمة التركية، شدد أردوغان على أن تركيا ستظل داعمة لسوريا في مختلف الظروف، معرباً عن أمله في أن تشهد البلاد استقراراً شاملاً يشمل جميع مكوناتها الاجتماعية.
كما حذر الرئيس التركي من أن تأجيج الخلافات العرقية والطائفية لن يسهم في تحقيق الأمن، بل قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في المنطقة، مؤكداً أن إعادة إعمار سوريا بعد سنوات من الدمار تحتاج إلى تعاون دولي واسع، وليس إلى تحمل دولة واحدة عبء هذه المهمة بمفردها.
اقرأ أيضاً: تركيا تبدأ بتحديث مطار دمشق الدولي لتعزيز سلامة الطيران
بين المركزية والفيدرالية
من جانبه، رأى ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق، أن سوريا تتجه نحو ترسيخ مركزية الدولة بدلاً من اعتماد نظام فيدرالي، وهو ما قد يفرض تحديات على مستقبل القوى المحلية المدعومة من واشنطن وفق رأيه.
ولفت شينكر إلى أن «قسد» قد تجد نفسها في موقع تفاوضي حساس مع الحكومة السورية، وهو ما يتطلب اتخاذ قرارات استراتيجية بشأن مستقبلها العسكري والسياسي.
وأضاف المسؤول الأميركي السابق أن الولايات المتحدة من المحتمل أن تواصل تدخلها في المسار التفاوضي لقسد، بهدف تعزيز موقفها على طاولة المفاوضات، عبر تقديم الدعم العسكري دون تقديم التزامات سياسية طويلة الأمد. كما أشار إلى أن واشنطن ستواجه تحدياً معقداً في تحقيق التوازن بين التزاماتها تجاه «قسد» وعلاقتها مع تركيا، التي تعد شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي «الناتو».
وفي سياق متصل، أوضح شينكر أن الرئيس التركي قد يقترح على نظيره الأميركي نشر قوات تركية في المناطق التي تنتشر فيها «قسد»، ما قد يسهل انسحاب القوات الأميركية من سوريا أو إعادة تموضعها وفق سيناريوهات جديدة.
اقرأ أيضاً: رفع القيود على تصدير البضائع السورية لتركيا والأردن
توتر بين تركيا وإيران
على صعيد آخر، تفاقمت الخلافات بين أنقرة وطهران بعد تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي حذر فيها من السياسات الإيرانية في سوريا، معتبراً أن دعم طهران للفصائل المسلحة قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة.
ورداً على هذه التصريحات، استدعت الخارجية الإيرانية السفير التركي في طهران، معربة عن اعتراضها على ما وصفته بتصريحات غير مبررة. ولم يتأخر الرد التركي، حيث استدعت وزارة الخارجية في أنقرة القائم بالأعمال الإيراني، في خطوة تعكس تزايد حدة التوتر بين البلدين.
وفي تصريح رسمي، أكد المتحدث باسم الخارجية التركية أونجو كيتشيلي أن أنقرة لاحظت تصاعد الانتقادات الإيرانية ضدها في الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أن تركيا لن تتجاهل مثل هذه التصريحات.
هذا واعتبر وزير الخارجية التركي بأنّ السياسة الإيرانية القائمة على دعم الفصائل المسلحة تمثل تهديداً لاستقرار المنطقة، محذراً من أن «أي محاولات لإثارة الفوضى في سوريا قد تؤدي إلى ردود فعل مشابهة داخل الأراضي الإيرانية».