شهدت سوريا انخفاضًا ملحوظًا في معدلات التضخم خلال الفترة الممتدة من فبراير 2024 حتى يناير 2025، حيث سجل المعدل السنوي 46.7%، مقارنة بـ 119.7% خلال الفترة نفسها من العام السابق، وفقًا لتقرير صادر عن مصرف سوريا المركزي، وتعكس هذه الانخفاضات تحسنًا نسبيًا في الوضع الاقتصادي، لكنها لا تزال تخفي تحديات كبيرة يواجهها المواطنون في ظل استمرار ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية.
مؤشرات إيجابية لكنها غير كافية!
أظهر التقرير أن معدل التضخم الشهري لشهر يناير 2025 بلغ 8.7%، مقارنة بـ 13.8% في ديسمبر 2024، بينما سجل المعدل السنوي لشهر يناير 6.4%، وهو أدنى بكثير من 118.9% المسجل في يناير 2024.
وأوضح التقرير أن هذا التراجع يعود إلى عوامل رئيسية، مثل تحسن سعر صرف الليرة السورية بعد إجراءات التحرير، وزيادة المعروض من السلع في الأسواق المحلية، مما خفف الضغوط التضخمية.
وعلى الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية، لا يزال السوريون يعانون من ارتفاع تكاليف المعيشة، حيث لم ينعكس تحسن سعر الصرف بشكل مباشر على أسعار السلع الأساسية.
ففي ظل شح السيولة بالليرة السورية، ارتفعت قيمة العملة محليًا، لكن الأسعار ظلت مرتفعة، مما زاد من معاناة المواطنين الذين فقدت أجورهم قيمتها الفعلية.
اقرأ ايضاً: إيطاليا تخصص 4.5 مليون يورو كمساعدت عاجلة لسوريا
الواقع المُرّ.. فقر مدقع واستمرار الأزمات
رغم الانخفاض النسبي في التضخم، لا تزال سوريا تغرق في أزمة اقتصادية خانقة، فقد تجاوزت معدلات الفقر 90%، مع تفاقم الفقر المدقع الذي يمنع نصف السكان من تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية.
وتزداد الأمور تعقيدًا مع ارتفاع تكلفة المعيشة، حيث لم تواكب الزيادات الطفيفة في الأجور التضخم المتصاعد، مما جعل ملايين العائلات عاجزة عن تلبية أبسط المتطلبات اليومية.
ولا تزال قطاعات حيوية مثل الزراعة والإسكان والنقل تعاني من تداعيات الحرب والعقوبات الاقتصادية، مما يحد من فرص النمو.
فعلى سبيل المثال، تقلصت المساحات المزروعة بالحبوب إلى أدنى مستوياتها منذ ستينيات القرن الماضي، بينما تحتاج البلاد إلى استثمارات ضخمة لإعادة إعمار قطاع الإسكان المدمر.
ويرى خبراء أن استمرار التضخم مرتبط بسياسات اقتصادية غير فاعلة، مثل الاعتماد المفرط على الاستيراد، وغياب آليات ضبط الأسواق، وضعف الإنتاج المحلي.
كما أن العقوبات الدولية الحالية تحدّ من قدرة سوريا على جذب الاستثمارات أو تأمين السلع الأساسية بأسعار معقولة.
اقرأ ايضاً: الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات على عدد من القطاعات، ما هي؟
الطريق إلى الأمام
يشير التقرير إلى أن تراجع الضغوط التضخمية يمثّل فرصة لتنفيذ إصلاحات اقتصادية جادة، مثل تعزيز الإنتاج المحلي، وتحسين إدارة الموارد، وتعزيز الشفافية في السياسات النقدية.
كما يدعو الخبراء إلى ضرورة معالجة الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء، ودعم القطاعات الإنتاجية لتعزيز العرض السلعي.
في الختام، رغم الانخفاض الملحوظ في معدلات التضخم، يبقى الوضع الاقتصادي في سوريا هشًا، ويحتاج إلى خطط استراتيجية بعيدة المدى لتجاوز التحديات المزمنة، وإعادة بناء الثقة بالعملة الوطنية، وتحسين ظروف المعيشة للمواطنين.