بشكلٍ مفاجئ، ظهر رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع إلى جانب قائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي في قصر الشعب بالعاصمة دمشق، أثناء توقيع اتفاق دمج قسد ضمن مؤسسات الدولة السورية، بعد أسابيع من المباحثات المُضنية بيز الطرفين، فماذا يعني هذا الاتفاق لمستقبل سوريا الجديدة؟
بنود الاتفاق
نصّ الاتفاق بين الطرفين على ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة ضمن العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.
كما أكد الاتفاق على أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية.
وتضمن الاتفاق وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية، مع دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.
وبحسب ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية السورية فإن الاتفاق ينصّ على ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلادهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية، مع رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري، إضافة إلى دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها.
وبما يخصّ المدة الزمنية لسريان الاتفاق، فقد أشار محتوى الورقة المنشورة حول مجريات لقاء الشرع وعبدي، إلى عمل اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة تكثيف اللقاءات الفنية بين خبراء من سلطة دمشق وقسد لبحث النقاط التفصيلية لتنفيذ بنود الاتفاق، خاصّة ما يتعلّق بملف دمج الأكراد ضمن صفوف الجيش السوري الجديد، وموضوع حقول النفط والغاز التي تسيطر عليها قسد ونقلها لتصبح تحت إشراف سلطة دمشق.
وكان مظلوم عبدي قد أكد قبل أسابيع على رغبته بالحوار مع الإدارة الجديدة في سوريا من أجل الاندماج معها، لكنه طالب بدمج قسد كتشكيل واحد ضمن صفوف الجيش السوري الجديد، وهو ما اعتُبِر النقطة الخلافية الأبرز بين الطرفين، إلا أن الاتفاق الجديد لم يكشف كيفية حلّ هذه المشكلة.
اقرأ أيضاً: قرار رئاسي بتشكيل لجنة للحفاظ على السلم الأهلي في الساحل السوري
ماذا يعني الاتفاق المستدام بين سلطة دمشق وقسد؟
بعد اللقاء مع الشرع أكد قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي أن الاتفاق فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة تحتضن جميع مكوناتها وتضمن حسن الجوار، وقال: “نعمل سوياً لضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات شعبنا في العدالة والاستقرار، وملتزمون ببناء مستقبل أفضل يضمن حقوق جميع السوريين ويحقق تطلعاتهم في السلام والكرامة”، لكن ما هي أبرز النتائج المتوقعة من هذا الاتفاق؟
سياسياً؛ يُعتبر الاتفاق بين رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي ركيزة أساسية لوحدة الأراضي السورية ورفض أيّ مشاريع انفصالية، خصوصاً بعد حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي عاشتها سوريا مؤخراً، وخروج بعض الأصوات التي تحدثت عن مشاريع تقسيمية للبلاد.
كما يُمّهد الاتفاق لتشكيل حكومة وطنية شاملة في سوريا، تضم كافّة أطياف المجتمع السوري، وهذا سيكون مقدمة للذهاب نحو تداول سلمي للسلطة وانتخابات رئاسية مبكرة وصياغة دستور مدني ديمقراطي يرسي مبادئ وقيم العدالة الاجتماعية والتكنوقراط وتكافؤ الفرص.
يُسهم الاتفاق أيضاً في تهدئة الأوضاع في السياسية في البلاد، خصوصاً بعد الأحداث الأمنية التي شهدها الساحل السوري مؤخراً، وبالتالي فإن الاتفاق بين سلطة دمشق وقسد قد يفتح المجال لاتفاقات مُشابهة مع الدروز في الجنوب والعلويون في الساحل.
عسكرياُ؛ يُعتبر الاتفاق اللبنة الأولى لتثبيت دعائم وقف إطلاق النار وإخماد أصوات المدافع على كامل الجغرافيا السورية، بما يُرسخ حالة السلم الأهلي والاستقرار الأمني.
ومع دمج قسد في صفوف الجيش السوري الجديد، فإن ذلك سيكون خطوة نحو إعادة بناء الجيش السوري مجدداً وإعادة هيكلته بمشاركة مختلف القوى العسكرية الفاعلة في البلاد، بعيداً عن أيّ انتماءات سياسية أو عرقية او طائفية.
اقتصادياً؛ يُعتبر الاتفاق ضرورة ملّحة لإنعاش الاقتصاد السوري المتهالك جراء سنوات الحرب الطويلة، وقد يؤدي الاتفاق إلى إيجاد حلول إسعافية للخدمات الأساسية كالكهرباء والمحروقات والقمح، حيث تُشكل مناطق الجزيرة السورية خزاناً نفطياً وغازياً وزراعياً، وتسيطر قسد على نحو 80 بالمئة من حقول النفط الموجودة في محافظتي دير الزور والحسكة، سيما الحقول الكبيرة مثل “الجبسة” و”رميلان” و”العمر” و”كونيكو” وغيرها، والتي تنتج ما بين 150 إلى 200 ألف برميل نفط يومياً.