يبدو أن الخلافات التركية – الإسرائيلية بدأت تطفو على واجهة الأحداث في سوريا، حيث كشفت وكالة أسوشيتد برس – Associated Press الأمريكية أن سقوط نظام بشار الأسد زاد من توتر العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، نتيجة مصالح الطرفين المتضاربة في سوريا، وهو ما يدفع الأمور نحو مسار تصادمي محتمل.
وقالت المحللة أسلي أيدنتاسباس – Asli Aydintasbas من معهد بروكينغز – Brookings ومقره واشنطن: “أصبحت سوريا مسرحاً لحرب بالوكالة بين تركيا وإسرائيل، اللتين تريان بعضهما كمنافسين إقليميين؛ هذه ديناميكية خطيرة جداً لأن هناك تصادماً في المواقف التركية والإسرائيلية بشأن جميع ما يتعلق بالانتقال السياسي في سوريا”.
وبحسب أسوشيتد برس فإن تركيا تدعم في الوقت الحالي سوريا “مستقرة وموحدة”، تحتفظ فيها حكومة الشرع المركزية بالسلطة على كامل البلاد، وهو ما دفع أنقرة للترحيب باتفاق سلطة دمشق مع قوات سوريا الديموقراطية لدمج مؤسسات شرق الفرات في الدولة السورية.
على الطرف الآخر، فإن إسرائيل تفضّل بقاء سوريا مجزأة، بعد أن تحولت تحت الحكم الأسد إلى قاعدة انطلاق لإيران وأدواتها، كما أن تل أبيب لديها هواجس من النفوذ التركي المتنامي على الأراضي السورية، بحسب أسوشيتد برس.
كما أن الحكومة الإسرائيلية قلقة من احتمال توسيع تركيا حضورها العسكري داخل سوريا، خصوصاً وأنها تحتفظ بوجود عسكري في الشمال السوري بعد العمليات التي شنتها ضد المسلحين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني.
وأشار خبراء لأسوشيتد برس إلى أن تل أبيب تخشى من العلاقات الإسلامية لأحمد الشرع، وتخشى أن قوته الموحدة قد تشكل تهديد جهادي على طول حدود إسرائيل الشمالية.
إسرائيل تتمدد في سوريا
منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام الأسد، بدأت إسرائيل بفرض سيطرتها على المنطقة العازلة بين القنيطرة والجولان المحتل جنوب سوريا، رغم أن المنطقة قائمة بموجب قرار دولي تم التوصل إليه عام 1974، بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول التي جرت عام 1973، ويقضي القرار بجعل المنطقة العازلة منزوعة السلاح وتشرف عليها قوات دولية.
ولم يقتصر التوغل الإسرائيلي الذي وصل إلى الحدود الإدارية بين محافظتي القنيطرة ودرعا على مجرد وجود مؤقت، فتل أبيب أعلنت أن احتلالها لبعض المناطق سيبقى دائماً.
ودمّرت إسرائيل القدرات العسكرية للجيش السوري من مطارات ومقاتلات وسفن حربية ومخازن استراتيجية ومراكز الأبحاث، ضمن سلسلة من الهجمات الجوية التي رافقت عملية إسقاط النظام في دمشق يوم الثامن من كانون الأول الماضي، وهو ما وصفته الصحافة العبرية بأنه “أكبر الهجمات العسكرية في تاريخ إسرائيل”.
كما أعلنت هيئة البث الإسرائيلية مؤخراً أن المؤسسة الأمنية بدأت العمل من أجل جلب العمال السوريين إلى القرى والبلدات في هضبة الجولان المحتلة، ونقلت الهيئة عن مصدرين قولهما: إن المرحلة الأولى تضمن استجلاب عشرات العمّال السوريين للعمل في مجالات الصناعة والبناء والزراعة في “القرى الدرزية” في الجولان، وذكرت أن قوات الجيش الإسرائيلي تستعد للبقاء في المنطقة العازلة السورية، إلى أجل غير مسمى.
وترافق التوغل العسكري الإسرائيلي في الجنوب السوري مع دعوات عديدة أطلقها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتوفير الحماية “للطائفة الدرزية” في سوريا، ومنع قوات السلطة السورية الجديدة من الانتشار في الجنوب، وهو الأمر الذي ردّ عليه الكثير من وجهاء وشيوخ “الطائفة الدرزية” بالانتقاد واتهام إسرائيل بمحاولات استخدامهم ورفضهم ذلك.
ماذا تريد تركيا؟
خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق، أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن تركيا نقلت للمسؤولين السوريين مخاوفها فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وأن أنقرة ستراقب عن كثب الخطوات التي ستُتخذ من أجل تنفيذ الاتفاق بين سلطة دمشق وقوات سوريا الديموقراطية.
وقال: “لا نعتقد أن يكون هناك أيّ تنازلات في سوريا أبدا بشأن مساعي الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية، وعلى تنظيم بي كي كي الاستجابة لدعوة زعيمه وأن يعتبره فرصة تاريخية ويبدأ عملية حل نفسه”.
وتتجه تركيا خلال الفترة الحالية إلى تشكيل تحالف رباعي يضم الأردن والعراق وسوريا إلى جانب تركيا من أجل التحرك المشترك ضد تنظيم داعش، وسيتم خلال فبراير/ شباط الجاري عقد أول اجتماع في عمّان لوزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات للدول المذكورة.
وتشير المعطيات إلى أن الهدف التركي من التحالف، هو سحب الذريعة الأمريكية لوقف دعم قوات سوريا الديمقراطية. لأن التحالف الرباعي هو من سيتولى الإشراف على السجون التي يقيم فيها الآلاف من عناصر تنظيم الدولة وعوائلهم شمال شرق سوريا.
وحول الوضع في سوريا، نشرت صحيفة “تركيا اليوم- Türkiye Today” تقريراً بعنوان “الصراعات الإقليمية على السلطة: تحدي الاستقرار في سوريا”، للكاتبة تولجا سونهيران، التي رأت أن التطورات الأخيرة في سوريا “تعكس محاولات إسرائيل وإيران لتعطيل مبادرة أنقرة التي تهدف إلى جعل تركيا خالية من الإرهاب، وهي الجهود التي تستهدف القضاء على التهديدات الإرهابية وتعزيز استقرار حدود تركيا الجنوبية”.
كما تشير الكاتبة إلى أن كلاً من إسرائيل وإيران تسعيان لتحقيق أهداف أمنية وجيوسياسية خاصّة بهما في سوريا، ما يؤدى إلى وضع قد يعقد تحقيق تركيا لأهدافها في المنطقة، كما تذكر سونهيران في مقالها أن سوريا لطالما كانت “ساحة صراع للقوى الإقليمية والدولية”، حيث تشهد تنافساً مستمراً بين عدة “أطراف ذات نفوذ”.
ويثير تصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل قلقاً جدياً، حيث تؤكد أسوشيتد برس أن الجانبين كانا يدخلان في خلافات ببعض الأحيان، لكنهما كانتا قادرتين على فصل العلاقة الأمنية عن كل شيء آخر، ولكن في الوقت الحالي، هما تسعيان بنشاط لتقويض بعضهما البعض؛ ما يطرح تساؤلاً جوهرياً: هل يعرف الطرفان خطوطهما الحمراء؟”.
اقرأ أيضاً: ما سرّ الموقف التركي الحذر من اتفاق قسد وسلطة دمشق؟