بعد التغيرات السياسية الأخيرة في سوريا، برزت دعوات لاعتماد نموذج اقتصاد السوق الحرة كوسيلة لإعادة بناء الاقتصاد ودمجه في النظام الاقتصادي العالمي. أعلن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أن سوريا ستفتح اقتصادها للاستثمارات الأجنبية، مشيراً إلى العمل على شراكات في مجالات الطاقة والكهرباء مع دول الخليج.
ما مزايا اقتصاد السوق الحرة؟
يرى البعض، بمن فيهم عدد من رجال الأعمال والمحللين الاقتصاديين، أنّ التحول نحو اقتصاد السوق الحرة قد يحمل في طياته فرصاً واعدة لسوريا، خصوصاً في مرحلة إعادة الإعمار. إذ يُعتقد أن تحرير الاقتصاد وفتح الأسواق أمام رؤوس الأموال الأجنبية من شأنه أن يجذب المستثمرين، ويدفع عجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام. كما يُتوقع أن يسهم تنشيط بيئة السوق الحرة في تعزيز روح التنافس بين الشركات، الأمر الذي من شأنه تحفيز الابتكار ورفع جودة المنتجات والخدمات المقدّمة.
كذلك، يطرح أنصار هذا التوجه أنّ تقليص دور الدولة في التدخل بالسياسات السوقية من شأنه أن يُحسّن الكفاءة الاقتصادية العامة، من خلال ترك آليات العرض والطلب تحدد الأسعار والتوزيع، بما يضمن نمواً اقتصادياً أكثر ديناميكية.
جدوى التفاؤل
على الرغم من التفاؤل المحيط بتبني نموذج اقتصاد السوق الحرة في سوريا، إلا أن الواقع الاقتصادي الحالي والتباين الكبير مع تجارب دول ناجحة مثل سنغافورة والمملكة العربية السعودية يثيران تساؤلات حول مدى واقعية هذا التفاؤل.
اقرأ أيضاً: هل ستنسحب أمريكا من سوريا ومتى؟!
الاختلافات الهيكلية والاقتصادية
– الناتج المحلي الإجمالي للفرد: في عام 2023، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد في سنغافورة حوالي 65.422 دولاراً أمريكياً، وفي المملكة العربية السعودية حوالي 23.32 دولاراً أمريكياً. وفي المقابل، تشير تقديرات عام 2022 إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للفرد في سوريا كان حوالي 1.051 دولاراً أمريكياً فقط لا غير، وهذا الفارق الشاسع يعكس تحديات اقتصادية كبيرة تواجهها سوريا مقارنةً بهذه الدول.
– حجم الاقتصاد: وفقاً لتقديرات عام 2025، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية حوالي 1.14 تريليون دولار أمريكي، بينما يصل في سنغافورة إلى حوالي 561.73 مليار دولار أمريكي. في المقابل، يقدر الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بحوالي 60.04 مليار دولار أمريكي، مما يبرز الفجوة الاقتصادية الكبيرة.
التحديات الاقتصادية
– تدمير البنية التحتية: تسببت سنوات الصراع في سوريا في تدمير واسع للبنية التحتية. تشير التقديرات إلى أن حوالي 40% من البنية التحتية للبلاد قد دُمرت، مع خسائر تصل إلى 65 مليار دولار أمريكي. بالإضافة إلى ذلك، قُدرت الأضرار في المدن والقطاعات المختلفة بحوالي 8.7 إلى 11.4 مليار دولار أمريكي حتى يناير 2022.
– ارتفاع معدلات الفقر: بحلول عام 2025، يعيش حوالي 16.5 مليون شخص في سوريا في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، مما يعكس تدهوراً كبيراً في مستوى المعيشة.
– انكماش الاقتصاد: انكمش الاقتصاد السوري بحوالي الثلثين، واستمرت العملة المحلية في التراجع، مع وقوع حوالي 80% من السكان في فقر مدقع.
مقارنة مع سنغافورة والسعودية
بينما نجحت دول مثل سنغافورة والمملكة العربية السعودية في تطوير اقتصاداتها، فإن الظروف التي ساهمت في نجاحهما تختلف جذرياً عن الوضع في سوريا. سنغافورة، على سبيل المثال، استفادت من موقعها الجغرافي الاستراتيجي كمركز تجاري، واستثمرت بشكل كبير في التعليم والتكنولوجيا.
أما المملكة العربية السعودية، فهي تمتلك احتياطيات ضخمة من النفط، مما وفر لها مصدراً رئيسياً للدخل. في المقابل، تعاني سوريا من نقص في الموارد الطبيعية وتدمير واسع للبنية التحتية، مما يجعل تطبيق نموذج اقتصاد السوق الحرة محفوفاً بالتحديات.
مخاطر إضافية
– الاحتكار وعدم المساواة: قد يؤدي تحرير السوق دون وجود ضوابط مناسبة إلى سيطرة فئات معينة على الاقتصاد، مما يزيد من التفاوت الاجتماعي والاقتصادي.
– ضعف المؤسسات: تحتاج سوريا إلى مؤسسات قوية وشفافة لضمان عمل اقتصاد السوق الحرة بكفاءة، وهو ما يتطلب وقتاً وإصلاحات جذرية.
اقرأ أيضاً: أول مذكرة تفاهم بين سوريا والصين
نموذج اقتصادي خاص بسوريا
بالنظر إلى الظروف الفريدة التي تمر بها سوريا، قد يكون من الأنسب تطوير نموذج اقتصادي يتناسب مع الواقع المحلي، بدلاً من تبني وصفات جاهزة من الخارج. ويمكن لهذا النموذج أن يجمع بين عناصر من اقتصاد السوق الحرة والتدخل الحكومي المدروس، لضمان تحقيق التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن عدم الاعتماد الكامل على اقتصاد السوق الحرة لا يعني بالضرورة رفض الاستثمارات الخارجية. فعلى سبيل المثال، نجحت الصين في جذب الاستثمارات الأجنبية مع الحفاظ على دور قوي للدولة في توجيه الاقتصاد ووضع السياسات الاقتصادية.