في الفترة ما بين 6 و10 مارس/آذار 2025، شهد الساحل السوري، ولا سيما في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، موجة من العنف الدموي أسفرت عن مقتل عدد كبير المدنيين، معظمهم من «الطائفة العلوية». ووفقاً لتقارير متعددة سادت في التعاطي مع القضية، بدأت الأحداث بهجوم شنه بعض الأفراد المسلحين المرتبطين بالنظام السابق على قوات الأمن وعناصر من وزارة الدفاع المشكلة حديثاً في سوريا.
تقرير منظمة العفو الدولي
قبل أيام، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً يدين عمليات القتل الجماعي التي استهدفت المدنيين من أبناء «الطائفة العلوية» في المناطق الساحلية. ووصف التقرير هذه الأعمال بأنها ترقى إلى «جرائم حرب»، داعياً السلطات السورية إلى إجراء تحقيقات مستقلة وفعّالة لضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الأعمال.
كما أشار التقرير إلى أن القوات الحكومية فشلت في التدخل لوقف عمليات القتل، وأجبرت عائلات الضحايا على دفن أحبائهم في مقابر جماعية دون طقوس دينية أو مراسم علنية.
انتقادات للحكومة السورية
وجاء تقرير «العفو الدولية» في وقت تواجه فيه الحكومة السورية انتقادات حادة بسبب تعاملها مع الأحداث في الساحل السوري. حيث يرى مراقبون أن السلطات لم تتخذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين ومنع تصاعد العنف، ما أدى إلى تفاقم الوضع وسقوط عدد كبير جداً من الضحايا.
وتُتهم القوات الأمنية بالتقاعس عن أداء واجبها في حماية السكان المدنيين، والسماح بحدوث انتهاكات جسيمة وبالغة لحقوق الإنسان دون محاسبة حتى الآن.
اقرأ أيضاً: ردود الفعل الدولية والعربية على التطورات في الساحل السوري
التبريرات الحكومية
لم يرق تقرير «العفو الدولية» للسلطات في دمشق، ورأت فيه نوعاً من اجتزاء الأحداث غير المحق، بل والظالم. لذلك ردّت عليه، وفي ردها، أصدرت الحكومة السورية بياناً في 5 أبريل/نيسان 2025، أكدت فيه أنها تتابع «عن كثب» التقرير الصادر عن المنظمة بشأن الأحداث في الساحل السوري. وأشارت الحكومة إلى أن النتائج الأولية المذكورة في التقرير ستُقيّم من قبل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق، وأنها تعمل بموجب مرسوم رئاسي يمنحها صلاحيات واسعة واستقلالية تامة.
وأعربت السلطات في دمشق عن قلقها مما اعتبرته «قصوراً منهجيّاً» في بعض التقارير الحقوقية، خاصةً فيما يتعلق بتجاهل «السياق الأوسع الذي وقعت فيه الأحداث»، الأمر الذي قد يؤثر على دقة الاستنتاجات المستخلصة من وجهة نظرها.
ووفقاً للرواية الرسمية للسلطات، والتي أكّدت عليها في بيانها الذي تناول تقرير منظمة العفو الدولية، فقد بدأت الأحداث الساحلية بهجوم «غادر ومخطط له مسبقاً» من قبل «فلول النظام السابق» استهدف قوات الأمن وعناصر الدفاع، ووفقاً للبيان الحكومي، قالت السلطات أن المهاجمين نفذوا «انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، أحياناً بدوافع طائفية، مما أدى إلى انهيار مؤقت للسلطة ووقوع مئات الضحايا من أفراد الأمن».
لكنّ السوريين، كما هو متوقع، تلقوا الرد الحكومي بشكل مختلف. فهناك من أيّد هذا الرد واعتبره محقّاً، ومن دعا إلى أكثر من ذلك، واتخاذ إجراءات بحق منظمة العفو الدولية وبقية المنظمات الدولية. وعلى المقلب الآخر، وجد بعض السوريين في الردّ استفزازاً ومحاولة لطمس المسؤولية، حيث أشار بعض هؤلاء إلى أنّه لم تُسجّل أيّ إصابة مدنية واحدة من قبل المرصد السوري لحقوق الإنسان، ولا المراكز والشبكات التي تعنى بهذا.
لكن من المهم أن نذكر بأنّ الحكومة في ختام بيانها، جددت الحكومة التزامها بالمساءلة والشفافية، معربةً عن استعدادها للتعاون مع المنظمات الحقوقية وتسهيل وصولها إلى جميع أنحاء البلاد. وأكدت مسؤوليتها الكاملة في حماية جميع المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم، وضمان مستقبل قائم على المساواة في الحقوق والواجبات للجميع.
اقرأ أيضاً: لجنة للتحقيق في أحداث الساحل.. من هم أعضاء اللجنة وما هي صلاحياتهم؟
أكثر من 1600 مدني ضحية أحداث الساحل!
يشار إلى أنّ المرصد السوري لحقوق الإنسان الموجود في كوفنتري، وثّق أكثر من 1600 حالة قتل بحق مدنيين في الساحل السوري حتى الآن ما بعد توتر الأوضاع، ومن بينهم عائلات كاملة وأطفال ونساء. ووفق شهادات بعض الأهالي فإن توتر الأوضاع حدث إثر غارات جوية موثقة عبر الفيديو استهدفت فيها السلطات الجديدة قرية «الدالية» في ريف جبلة بعد رفض أهالي القرية تسليم مطلوبين للأمن العام دون مذكرة توقيف رسمية أو وثيقة شبيهة تضفي على الأمر طابعاً قانونياً.
اقرأ أيضاً: قرار رئاسي بتشكيل لجنة للحفاظ على السلم الأهلي في الساحل السوري
بالتوازي، حدثت اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن السورية والمجموعات المسلّحة الموالية للنظام السابق في ريف اللاذقية. وأسفرت هذه الاشتباكات في البداية عن مقتل 15 عنصراً من قوات الأمن في كمائن نصبها المسلحون.
ومع تصاعد حدّة الاشتباكات وفقدان القوات الأمنية السيطرة على العديد من المناطق، تمّ إعلان «النفير العام»، وأرسلت السلطة السورية المؤقتة تعزيزات عسكرية كبيرة إلى المنطقة لاحتواء الوضع.
وعندها قامت مجموعات ممن استجابوا لـ «النفير» مع الفصائل المسلحة التي تبين لاحقاً بأن جزءاً منها يتبع للقوات المنضوية ضمن إطار وزارة الدفاع خلال ما دعي «مؤتمر النصر» قبل حوالي شهرين من أحداث الساحل؛ قامت بارتكاب عمليات قتل وإعدام ضدّ مدنيين، ولم تتوقف حتى اللحظة في مشهد يدعو للأسف الشديد، ويعيد إلى أذهان السوريين ويلات الحرب العسكرية التي عانى منها في السابق جميع السوريين، دون استثناء.
إنّ منظمة العفو الدولية منظمة مرموقة، ولها مصداقية عالمية، ولهذا فالتقارير التي تصدرها لها تأثير إعلامي وسياسي كبير. يرى البعض بأنّ على الحكومة السورية أن تبذل المزيد من الجهود لتبيان شفافيتها في التحقيق وإيجاد المجرمين الذين قامون بالانتهاكات والتجاوزات. بينما يرى آخرون بأنّ الحكومة عبر مثل هذه الردود تحاول التهرّب من عدم قدرتها على الإمساك بالفاعلين، فبدأت تتعامل مع تقارير المنظمات الدولية بهذا الشكل. علينا أن ننتظر ونرى ما ستؤول إليه الأوضاع بهذا الخصوص.