تشهد أسواق سوريا منذ مدة طويلة تفاوتاً كبيراً في الأسعار، إذ تتغير بشكل ملحوظ من منطقة إلى أخرى، وتختلف باختلاف المواسم والعوامل الاقتصادية، ويعكس هذا التفاوت تحديات كبيرة في توفر السلع وتأثير الأوضاع الاقتصادية على القدرة الشرائية للمواطنين، وفي هذا المقال، سنتعرف على حالة الأسواق في بعض المناطق السورية في الأسابيع القليلة الماضية.
تفاوت الأسعار.. أزمة لا تنتهي
درعا
شهدت أسواق محافظة درعا منذ نهاية عطلة عيد الفطر ركوداً واضحاً في الحركة التجارية، رافقه انخفاض واضح في أسعار الفروج والبيض، في مشهد لم يكن مفاجئاً بقدر ما شكّل قلقاً لمربي الدجاج، إذ حذّر العديد منهم من خسائر متفاقمة قد تهدد استمرارية الإنتاج المحلي وتدفعه نحو الانهيار.
فقد تراجع سعر كيلو الفروج الحي ليصل إلى 20 ألف ليرة، بعدما كان قد لامس حاجز 24 ألفاً في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، وتبع هذا الانخفاض تراجع ملحوظ في أسعار مختلف أجزاء الفروج، كل ذلك وسط ضعف في الطلب، ووفرة في المعروض.
أما البيض، فقد شهد هبوطاً تدريجياً في أسعاره، ليستقر الأسبوع الماضي بين 20 و24 ألف ليرة للطبق، بعد أن كان قد حلّق إلى 60 ألفاً في ذروة الغلاء خلال الأشهر الماضية، ويعود السبب إلى التراجع في الاستهلاك، إلى جانب وفرة كبيرة في الإنتاج المحلي واستمرار دخول الفروج المجمّد المستورد إلى السوق بأسعار أقل.
وأكد الباعة أن ذروة الطلب على المادتين كان في النصف الأول من رمضان، لكن هذه الحماسة الشرائية خفتت سريعاً بعد العيد، لتترك الأسواق في حالة خمول نسبي.
سوق اللحوم الحمراء أيضاً كان في خضّم هذه التحولات، فهو يعاني من فروقات في الأسعار بين الريف والمدينة، إذ سجّلت اللحوم فرقاً يصل إلى 30 بالمئة، وفي بعض المناطق الريفية يباع كيلو لحم العجل بين 65 و70 ألف ليرة، بينما يرتفع السعر في مدينة درعا إلى نحو 90 ألفاً.
ورغم الحجج التي يسوّق لها القصّابون في المدينة، من جودة الذبيحة إلى تكاليف النقل، فإنّ الأهالي لا يرون فيها سوى أعذار واهية، مؤكدين على أن لحوم الريف ليست أقل جودة من لحوم المدينة.
اقرأ أيضاً: اقتصاد السوق الحرة في سوريا: بين التفاؤل والواقع!
دمشق
انتعشت الحركة التجارية في أسواق دمشق منذ انتهاء عطلة عيد الفطر، وسجّلت أسعار السلع التموينية استقراراً نسبياً مقارنة بمواسم الأعياد السابقة.
ووفقاً لما نشره موقع “بزنس 2 بزنس”، تراجع سعر كيلو السكر في الأسابيع الماضية إلى نحو 7700 ليرة، بعدما تجاوز 13 ألفاً خلال عيد الفطر العام الماضي، كما استقر سعر الأرز القصير المصري عند 9 آلاف ليرة، بينما وصل أرز البسمتي إلى 17 ألفاً للكيلو.
أما الحبوب والبقوليات فتباينت أسعارها بشكل واضح، إذ بلغ سعر الفول اليابس 13 ألفاً، والحمص الحب ارتفع إلى 18 ألفاً، بينما سجلت الفريكة 23 ألفاً، واللوبيا الحب 25 ألفاً للكيلو.
ومع بداية شهر نيسان الحالي، دخلت الفواكه الموسمية إلى السوق، لكن بأسعار مرتفعة لا يقدر الجميع على شرائها، فقد وصل كيلو الأكدنيا إلى 50 ألف ليرة بسبب استيراده من لبنان، أما كيلو اللوز الأخضر “العوجا” فانخفض شعره من 30 إلى 20 ألف ليرة، وسجل الكيوي 35 ألفاً، الأناناس 25 ألفاً، وكل من التفاح والموز الصومالي والفريز 15 ألفاً.
ورغم هذا التنوع في أسعار الفواكه الموسمية والتي قد تكون أحياناً ضمن القدرة الشرائية لبعض المواطنين، برزت مفارقة لافتة، وهي أن أسعار المنتجات الزراعية المحلية تفوقت على المستوردة، ما أثار استغراب كثر.
وتعليقاً على ذلك، أوضح عبد الرزاق حبزة، أمين سر جمعية حماية المستهلك، أن تكاليف الزراعة في سوريا أصبحت باهظة جداً، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة والمبيدات واليد العاملة، ما يرفع تكلفة المنتج النهائي.
إلى جانب ذلك، تدخل المنتجات المستوردة بأسعار أرخص، بفضل الدعم الذي تقدمه الدول المُصدّرة لمزارعيها، مثل تركيا، حيث يصل الدعم إلى 30% من سعر المنتج، ويؤدي هذا الفرق في الدعم، إلى جانب التهريب وغياب الرقابة على الحدود، إلى ضعف قدرة المنتج المحلي على المنافسة.
لفت حبزة كذلك إلى أن المشكلة لا تتعلق بالكلفة فقط، بل أيضاً بضعف آليات الدعم والتسويق، ما أدى إلى خسارة أسواق خارجية مهمة مثل السوق العراقية، وأضاف أن بعض المنتجات السورية تُصدّر إلى الخارج بأسعار أقل من المطروحة محلياً، ما يعكس خللاً واضحاً في التسعير والسياسات الاقتصادية، وفي النهاية يكون المزارع السوري هو الحلقة الأضعف، إذ يتحمل تكاليف الإنتاج كاملة، بينما تجني الحلقات الوسيطة والتجارية معظم الأرباح.
اقرأ أيضاً: شركة استقبال تعود إلى السوق السورية عبر 20 متجراً
ريف دمشق
أسواق ريف دمشق أيضاً شهدت عودة تدريجية للحركة في الأسابيع الماضية، رافقها ارتفاع طفيف في أسعار اللحوم والبيض، بسبب الإقبال المتزايد على الأنواع الجيدة من الفروج واللحوم الحمراء.
وتباينت أسعار الفروج بحسب القطعة، إذ وصل سعر كيلو جناح الفروج إلى 22 ألف ليرة، والفخذ إلى 25 ألفاً، بينما ارتفع سعر الصدر (الشيش) إلى 40 ألف ليرة، ورافق هذه الزيادات ارتفاع في سعر صحن البيض، الذي استقر عند 30 ألف ليرة.
أما لحمة الخاروف، فبقي سعرها مرتفعاً مع تسجيل الكيلو بعظمه 120 ألف ليرة، والمسوفة 100 ألف، في حين وصلت الهبرة إلى 170 ألف ليرة للكيلو الواحد.
وغلى الرغم من أن أسواق سوريا عامة وأسواق ريف دمشق خاصة، شهدت توفراً نسبياً في العرض، إلا أن أسعار اللحوم لا تزال أعلى من قدرة الكثير من المواطنين، ما يضع شراءها في خانة الكماليات بالنسبة للكثير من الناس.
وفي سياق متصل، أثار قرار السماح بتصدير المواشي في سوريا موجة استياء بين المواطنين في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة وارتفاع أسعار اللحوم المحلية، فقد تم الإعلان عن أول شحنة تصدير من 5900 رأس غنم عبر مرفأ طرطوس في نهاية آذار الماضي، ولكن واجه هذا القرار انتقادات من المواطنين الذين قلقوا من تأثيره على السوق المحلية.
وقد اعتبر الخبير الاقتصادي حسام البكري أن تصدير المواشي في ظل نقص الأعلاف وارتفاع تكاليف التربية سيؤدي إلى تقليص المعروض المحلي، ما يزيد من الأسعار ويثقل كاهل المواطنين.
وأضاف البكري أن تصدير اللحوم قد يدفع التجار لاحتكار الإنتاج لتحقيق أرباح أكبر، ما يؤدي بدوره إلى يعمق الأزمة، وناشد الحكومة بمراجعة القرار أو فرض قيود عليه لضمان توفير اللحوم بأسعار مدعومة لذوي الدخل المحدود.
اقرأ أيضاً: أسواق إدلب الأرخص سعراً بين المحافظات بالرغم من ارتفاعها
اللاذقية
وفي محافظة اللاذقية شهدت أسعار الألبان والأجبان انخفاضاً ملحوظاً في الأسابيع الأخيرة، بعد موجة من الارتفاعات في شهر رمضان، ويعود هذا الانخفاض إلى تراجع الطلب وتحسن ظروف الإنتاج، إلى جانب توفر المواد الأساسية وتحسن في توريد الغاز، وتخفيف بعض القيود الإدارية، إضافة إلى تراجع الرسوم غير الرسمية التي كانت تزيد من التكاليف.
وبحسب الأسعار المسجلة في الأسواق، بلغ سعر الكيلوغرام من الجبنة الناعمة إلى 45 ألف ليرة، أما الجبنة البلدية، فتراوحت أسعارها بين 22 و27 ألف ليرة للكيلوغرام، تبعاً لمنشأها وجودتها.
إلى جانب ذلك، تم تسجيل انخفاض في أسعار اللبنة المبسترة التي بلغ سعر الكيلو منها 18 ألف ليرة، كما تفاوت سعر عبوة اللبن (وزن 800 غرام) بين 4500 و8000 ليرة، وانخفضت أسعار اللبن المصنع من الحليب المجفف، بينما سجل اللبن البلدي النظامي سعراً قدره 6000 ليرة، والمبستر 8000 ليرة.
في الختام، يبدو التفاوت بين الأسعار واضحاً في أسواق سوريا بين منطقة وأخرى أو حتى ضمن المحافظة الواحدة، ويؤكد هذا التفاوت على وجود أزمة عميقة متجذرة في الوضع الاقتصادي، ما يؤثر على حياة المواطنين ومعيشتهم خاصة مع وجود عدد كبير من العائلات تحت خط الفقر، ويبقى السؤال يدور في أذهاننا: هل ستتمكن الحكومة من إيجاد حلول قريبة لخفض الأسعار وتثبيتها وتحسين الوضع المعيشي؟ أم أن الأسواق السورية ستبقى أسيرة لهذه التقلبات التي تثقل كاهل المواطنين؟
اقرأ أيضاً: كيف ينوي وزير الاقتصاد الجديد «اختراع سوريا»؟