تحدث وزير الخارجية التركية يوم أمس الأربعاء 9 نيسان/أبريل 2025 عن مسألة تطرح للمرة الأولى، حيث اعتبر أنه من الضروري إشراك «إسرائيل» باتفاقيات تجنب الاشتباك التي عقدتها تركيا مع أمريكا وروسيا وإيران، وهي مسألة توقف البعض عندها متسائلاً عن معانيها وأهدافها في هذا التوقيت، وربما من المبكر الحديث عن المسألة الآن، لكن نحاول في هذه المادة أن نتبيّن الأمر معاً..
تركيا وإسرائيل.. صراع النفوذ!
أعلن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان (Hakan Fidan)، أن تركيا تجري محادثات تقنية مع «إسرائيل» لإنشاء آلية لتجنب الاشتباك في سوريا. وأوضح فيدان أن هذه المحادثات تهدف إلى منع سوء الفهم بين العناصر العسكرية في الميدان، مشدداً على أن هذه الاتصالات تقتصر على التنسيق العملياتي ولا تعني تطبيعاً للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وأكد فيدان، أن بلاده لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام حالة عدم الاستقرار في سوريا، مشدداً على أن تأثيرات هذه الاضطرابات تمتد إلى تركيا ولا يمكن لأنقرة أن تلتزم الصمت حيال ذلك، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، بنيامين نتنياهو، يتحدى المجتمع الدولي بأسره مستنداً إلى الدعم الأمريكي، مما يزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة حسب تعبيره.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب تصاعد الضربات الجوية «الإسرائيلية» في سوريا، والتي استهدفت مواقع عسكرية، بما في ذلك قواعد جوية كانت تركيا تخطط لاستخدامها ضمن اتفاقية دفاع مشترك مع الحكومة السورية الجديدة. وعلى ما يبدو، إن هذا التصعيد دفع أنقرة إلى البحث عن آليات لتجنب التصادم المباشر مع القوات «الإسرائيلية» في الأجواء السورية.
تحولات وتحالفات جديدة
بعد الإطاحة بنظام الأسد، شهدت المنطقة تحولات جذرية في موازين القوى والتحالفات. فـ«إسرائيل»، التي كانت تراقب بقلق النفوذ الإيراني في سوريا كما هو معلن، وجدت نفسها أمام تحديات جديدة مع تزايد الدور التركي في دعم الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع. وهذا الواقع دفعها إلى تكثيف عملياتها العسكرية في سوريا، بهدف «تقويض النفوذ التركي المتنامي ومنع تحول سوريا إلى محمية تركية» حسبما تدّعي.
في هذا الإطار، تسعى تركيا إلى تجنب أي مواجهة مباشرة مع «إسرائيل»، مع الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في سوريا. ويأتي ذلك في وقت تتزايد فيه التعقيدات الإقليمية والدولية، خاصة مع استمرار التوترات بين «إسرائيل» وإيران، والتوترات ما بين أمريكا وإيران، ومحاولات روسيا للحفاظ على نفوذها في المنطقة وفي سوريا.
التحديات والآفاق المستقبلية
وفي التعليقات الأولية على الكلام التركي، يرى البعض أنه رغم الجهود التي قد تبذل لإنشاء آلية لتجنب الاشتباك؛ تواجه تركيا و«إسرائيل» تحديات عدة في هذا السياق. فالمنطقة تشهد تداخلاً معقداً للمصالح والأطراف الفاعلة، بما في ذلك الفصائل المسلحة المختلفة، والتدخلات الإقليمية والدولية. علاوة على ذلك، فإن غياب الثقة المتبادلة بين أنقرة وتل أبيب، والتاريخ الحافل بالتوترات بينهما، بما في ذلك وقف التبادلات التجارية بين البلدين ما بعد «طوفان الأقصى» والمجازر التي ارتكبتها الأخيرة في غزّة يزيد من صعوبة تحقيق تنسيق فعال ومستدام.
وفيما يخص التبادلات التجارية بين تركيا و«إسرائيل»، من الضروري الإشارة إلى أنه في الفترة من 7 أكتوبر 2023 حتى 20 مارس 2024، انخفض إجمالي حجم التجارة بين تركيا و«إسرائيل» بنسبة تقارب 33%، وخلال هذه الفترة، تراجعت صادرات تركيا إلى «إسرائيل» بنسبة 30%، بينما انخفضت وارداتها من «إسرائيل» بنسبة 43.4% وفق تقرير لـ trtafrika.
لكن على الرغم من الحظر الرسمي، أظهرت بيانات أخرى زيادة كبيرة في الصادرات التركية إلى الأراضي الفلسطينية. ففي أيلول/سبتمبر 2024، ارتفعت الصادرات إلى فلسطين بنسبة 1113% مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، الأمر الذي وضع إشارات استفهام وتساؤلات حول إمكانية أن تكون بعض هذه البضائع قد وصلت إلى «إسرائيل» عبر الأراضي الفلسطينية وبشكل غير مباشر.
وبالعودة للتحديات، فعلى الجانب الآخر، هنالك من يرى أن إنشاء مثل هذه الآلية قد يسهم في تقليل مخاطر التصادم العسكري غير المقصود، ويفتح المجال أمام تفاهمات أوسع قد تشمل قضايا أمنية وسياسية أخرى في المنطقة. كما قد يوفر هذا التنسيق نموذجاً للتعامل مع تعقيدات المشهد السوري، ويعزز من فرص تحقيق استقرار نسبي في ظل الفوضى القائمة.
اقرأ أيضاً: هل حقّاً نفذت تركيا هجمات ضدّ الشبكات السورية؟!
ختاماً، يمكن القول إن نجاح هذا المسعى قد يسهم في تشكيل ترتيبات إقليمية جديدة، ويعيد رسم خريطة التحالفات والتوازنات في الشرق الأوسط، لكن يبقى ذلك مرهوناً بمدى استجابة الأطراف المعنية بهذا المقترح، وما سيصدر عن جلسة مجلس الأمن الطارئة التي من المقرر أن تعقد اليوم لبحث مسألة الاعتداءات «الإسرائيلية» على سوريا وتمركز قواتها على أراضي جديدة في الجنوب…