بقلم: أحمد علي
في دمشق، المدينة التي تكتفي الآن برغيف الخبز كإنجاز استراتيجي عظيم رُفع عنه الدعم، اجتمعت الحكومة السورية، ممثلةً بخمسة وزارات ومحافظ مصرف مركزي واحد، مع وفد من البنك الدولي. وجاء الاجتماع لبحث ما دعي «سبل التعاون الفني والاقتصادي».. وهو عنوان فضفاض يصلح لحلقة «بودكاست» أكثر من كونه خطة إنقاذ لاقتصاد يتنفس من فتحة صغيرة اسمها حوالات المغتربين.
الوزارة أعلنت، عبر تلغرام طبعاً (لأن الكهرباء مزاجية بتجي وقت بدها)، أن الطرفين ناقشا «آليات تخفيف آثار العقوبات الاقتصادية». وهي جملة تُكتب كل سنة عشرات المرات، وربما قيلت في نفس هذا الشهر في سنة سابقة، وتُقرأ كل مرة كأنها خبر عاجل، بينما المواطن لا يخفف عنه شيء: لا العقوبات، ولا الأسعار، ولا حتى النكتة.
العقوبات خط أحمر!
«يمكن المواطن السوري نقاق حبتين، بس بالله عليكم مو أفضل لو تنشال هالعقوبات كلها ويحل عنا – الإمبريالي على قولة عادل إمام، ومصدرها الأمبرة – وصندوق النقد عن راس هالسوريين.. لكن بحث «آليات» «تخفيف» «آثار» العقوبات.. أي اشتغلنا والله! يعني كأنه عم تشتغلوا بمنطق إنه كلشي إلا أنه نقرب ع العقوبات؟! بدكم تبحثوا آليات تخفيف آثارها»!
ثم تأتي الجملة الذهبية: «تفعيل أدوات الدعم الموجه نحو تعافي الاقتصاد السوري». وهنا دعونا نتوقف لحظة. ماذا يقصدون بأدوات الدعم؟ كوبونات مثلاً؟ سلال غذائية؟ خطة لتحفيز الاستهلاك في سوق لا يملك فيه المواطن ثمن عبوة زيت؟ يبدو أن الأدوات الوحيدة التي ما زالت تعمل في سوريا هي أدوات الصبر.. الله يصبر قلبكم يا سوريين!
اقرا أيضاً: بعد انقطاع 16 عاماً.. صندوق النقد الدولي يستعد لدعم إعادة إعمار سوريا
المهم، الاجتماع انتهى بوضع «خريطة طريق مشتركة» للعمل في المرحلة المقبلة. جميل طبعاً. لكن قبل أن نتحمس، دعونا نتذكر كم من خريطة طريق وضعت لحل الأزمة السورية منذ عام 2011 وحتى اليوم… تُرى، أما آن الآوان لننتهي من وضع الخرائط ونبدأ العمل؟! «لأنه صار في أزمة خرائط… الخريطة تلو الخريطة، والشعب مثل القدر، من ينتخي ماين.. ماين!»
بيت القصيد!
هذا وأكدت الحكومة أخي المواطن أهمية «مقاربة واقعية قائمة على احترام السيادة الوطنية». ممتاز، لا بل رائع، رغم أن التجارب العالمية مع صندوق النقد الدولي لا تبشر بالخير الصراحة، «بس يعني ممكن تكون هي نقطة لصالح الحكومة إذا بيقدرو جد يلوو يد صندوق النقد الدولي ويدفعوه لاحترام السيادة الوطنية»…
لكن واقعياً، وعلى سيرة السيادة، اليوم راتب موظف حكومي لا يكفي لشراء كيلو لحمة، والسيادة الوحيدة المتاحة لديه هي أن يقرر في أي يوم من الأسبوع يأكل بيضتين بدلاً من ثلاث.. الجبار الله!
أما وفد البنك الدولي، فعبّر عن «استعداده للتنسيق». تنسيق ماذا؟ الله أعلم. لكنه حتماً سيكون ضمن «الأطر المتفق عليها».. وهي جملة دبلوماسية تتكرر مراراً، وتعني غالباً: سنتكلم كثيراً، وسنفعل قليلاً، ولن نغير شيئاً.. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الويلات التي أصابت الدول التي تدخّل صندوق النقد بها عبر «الخرائط» والقروض وإلخ.. كافية ليعرف المواطن السوري الصابر والصامد ما الذي تخفيه أيام المستقبل…
في الختام، نبارك للاجتماع نجاحه في كتابة بيان صحفي أنيق، ونقترح أن تُدرج هذه الاجتماعات في مناهج التعليم الاقتصادي الحديث… دمتم بأمان الله!
======================================================
ساخر (ولكن جدي):
هذا المقال ينتمي إلى فنّ «السخرية الصحفية»؛ وهو أسلوب يهدف إلى النقد البنّاء من خلال تضخيم المفارقات وتسليط الضوء على العبث الكامن في الواقع. ما تقرأه هنا ليس خبراً، بل انعكاساً ساخراً لحقيقة أكثر جدّية. لا يُقصد من هذا النص الإساءة إلى أحد، بل إثارة التفكير من باب الضحك أولاً… والتأمّل لاحقاً.