في صباحٍ تفتحت فيه أزهار الربيع، وتراقصت فيه ألوان البيض المزينة، احتفل السوريون الإيزيديون يوم الأربعاء، 16 نيسان/أبريل 2025، برأس سنتهم الجديدة، المعروف بـ «الأربعاء الأحمر» (بالكردية: Çarşema Sor)، في أجواء مفعمة بالفرح والتآخي، بعد سنوات من التحديات والتهجير.
رمزية العيد ومعتقداته
يُجسد «الأربعاء الأحمر» لدى الإيزيديين لحظة الخلق وبداية الحياة على الأرض، إذ يعتقدون أن الملك «طاووس»، وهو أحد الكائنات المقدسة في معتقدهم، نزل إلى الأرض في مثل هذا اليوم، ونظم شؤون الكون وجعلها صالحة للحياة. ويتزامن العيد مع فصل الربيع وتفتح الزهور، مما يمنحه رمزية إضافية ترتبط بالتجدد والانبعاث والخصوبة. يُعد العيد إعلاناً لبداية سنة جديدة مليئة بالخيرات، وفق الموروث الديني والثقافي للإيزيديين.
طقوس متوارثة
يرافق الاحتفال برأس السنة الإيزيدية مجموعة من الطقوس والعادات الرمزية المتجذّرة، التي تحاكي قصة الخلق وتجدد الطبيعة، وتحمل معاني روحانية وإنسانية عميقة. أبرز هذه الطقوس زيارة القبور، حيث تتجه في صباح العيد العائلات الإيزيدية إلى زيارة قبور أحبائها، وتضع الزهور الملونة، وخاصة الحمراء والصفراء، على المدافن، كرمز للفرح والحياة واستمرار الذكرى.
كما تشمل الطقوس تلوين البيض بالألوان الزاهية، ويُرمز به إلى الخلق والتنوع والتجدد، في عادة تشبه ما يفعله السوريون المسيحيون في عيد الفصح. بالإضافة إلى ذلك، تُزيّن البيوت بالأزهار البرية وأغصان الأشجار والنباتات، في تقليد يعكس ارتباط الإيزيديين بالطبيعة واحتفالهم بخصوبة الأرض. كما تشعل الأسر النيران في بعض المناطق، وهي من الطقوس الرمزية المهمة، وترمز إلى النور والإشراق ودحر الظلام، إيذاناً ببداية دورة حياة جديدة.
اقرأ أيضاً: عبر أربع رحلات بطائرة مستأجرة… كيف هرّب بشار الأسد الأموال قبل فراره؟
احتفالات 2025: فرحٌ بعد المعاناة
شهدت مناطق شمال وشرق سوريا، مثل القامشلي (Qamişlo)، القحطانية (Tirbespîyê)، عامودا (Amûdê)، الحسكة (Hesekê)، عين العرب (Kobanê)، عفرين (Efrîn)، حلب (Heleb) ودمشق، احتفالات جماهيرية واسعة، شارك فيها الإيزيديون إلى جانب مكونات المجتمع السوري الأخرى من مسيحيين ومسلمين وعرب وأكراد وسريان وأرمن. وتضمنت الاحتفالات حلقات رقص وغناء ودبكات شعبية، إلى جانب كلمات وعروض مسرحية وتبادل التهاني، بحضور شخصيات ثقافية وسياسية ونسائية.
وفي حديثه عن احتفالات العام الجديد قال فارس شمو، أحد أعيان الطائفة الإيزيدية من قرية تل خاتونك، في حديث له لصحيفة «العربي الجديد» إن «الاحتفال برأس السنة الإيزيدية الذي يصادف أول أربعاء من شهر إبريل/نيسان من كل سنة، مرتبط بالطبيعة والملك طاووس ومعبد لالش، كما أن البيض الملون يرمز إلى تكون الحياة على الأرض».
بدورها، قالت كوليجان فرو، وهي عضو اتحاد منسقية الإيزيديين في سوريا والمهجر من منطقة عفرين: «عانينا الكثير خلال سنوات التهجير، لكننا نحتفل اليوم بعيدنا بقلوب مليئة بالأمل والتصميم على الحفاظ على تراثنا وديننا».
رسائل سياسية واجتماعية
أشادت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بالمناسبة، مؤكدة أن «المجتمع الإيزيدي جزء أصيل من النسيج السوري، ويجب أن يتمتع بكامل حقوقه في ممارسة طقوسه وشعائره الخاصة، بصفته جزءاً من التنوع والتعايش السوري». كما دعت «المنظمة الأثورية الديمقراطية» إلى الاعتراف الرسمي بالديانة الإيزيدية في الدستور السوري، معتبرة أن «وجود الإيزيديين في سورية والعراق وتركيا وإيران يمتد إلى أعماق التاريخ، وإن الاعتراف الرسمي بمعتقدهم الديني يشكل خطوة أساسية نحو دولة مدنية تحترم التنوع وتكفل الحريات الدينية للجميع».
اقرأ أيضاً: أمريكا تكشف موعد انسحابها من سوريا ومظلوم «قلق».. هل حقاً ستنسحب؟!
ختاماً، يُعد «الأربعاء الأحمر» مناسبةً لتجديد الإيمان والتمسك بالهوية الثقافية والدينية، وفرصةً للتأكيد على قيم التعايش والتسامح في مجتمع متعدد الثقافات والأديان، فيما يأمل الإيزيديون إلى جانب إخوتهم السوريين أن يحمل العام الجديد السلام والاستقرار وإعادة خلق وتجديد الحياة بعد سنوات عجاف وطويلة من الألم والحرب.