يواجه القطاع الطبي في سوريا “أزمة حرجة”، تتعلق بنقص أدوية معالجة مرض السرطان بشكلٍ حادّ، ما يهدد حياة آلاف المرضى في مختلف أنحاء البلاد، الأمر الذي دفع وزارة الصحة لإطلاق نداء عاجل إلى الجهات الفاعلة في المجتمع الدولي للمساعدة في تأمين الأدوية اللازمة.
وكشف مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصحة، زهير قراط، أن مشكلة نقص أدوية علاج السرطان تعد واحدة من أعقد التحديات التي يواجهها القطاع الصحي خلال الفترة الحالية، لأنها تؤثر بشكل كارثي على حياة آلاف المرضى وعائلاتهم في مختلف أنحاء البلاد.
ووجّه قراط دعوة عاجلة للجهات الفاعلة في المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية والدول الشقيقة والصديقة لمد يد العون، ووضع خارطة طريق عملية قائمة على التنسيق والشفافية، لضمان وصول العلاج إلى مستحقيه.
ويعتمد مرضى السرطان في سوريا على مشفى البيروني الحكومي للحصول على الدواء والجرعات الكيماوية بشكل مجاني، لكن المشفى بدأ يواجه نقصاً في الأدوية المتوفرة، ما دفعه لتقنين الأدوية المقدمة للمرضى، لكنه بالمقابل ما زال يؤمن جرعات الكيماوي بشكل منتظم ومجاني.
وفي هذا السياق كشفت اللجنة الوطنية الاستشارية للدم والأورام أن وزارة الصحة السورية لا تملك سوى 20% من الاحتياجات الفعلية للأدوية لبعض أنواع السرطانات، بينما نفدت الكمية تماماً لأنواع أخرى، ما ينذر بكارثة صحية هائلة.
وحول هذه الأزمة، نشرت صفحة “سماعة حكيم” المختصّة بالشأن الطبي عبر فيسبوك منشوراً قالت فيه: “قبل 4 أشهر كانت المشافي الحكومية قادرة على تأمين بعض أنواع الأدوية بشكل مجاني لمرضى السرطان، والكلى والأمراض المناعية، لكن حالياً أكثر هذه الأدوية غير متوفر، وبالتالي فإن آلاف المرضى لديهم معاناة شديدة، فلا يوجد لديهم قدرة مادية لتأمين الدواء، رغم أنه يؤخذ بشكل دائم و دوري وهو مرتفع الثمن، إن توفر”.
اقرأ أيضاً: وزارة الصحة تطلق البرنامج التخصصي لجراحة الأطفال
الإصابات تزداد بشكل كبير
إلى ذلك، أكد رئيس دائرة الأمراض المزمنة والسرطانية، كرم ججي، أن الإصابات بمرض السرطان تزداد بنسبة كبيرة، حيث تشهد سوريا تسجيل نحو 17 ألف حالة سنوياً للبالغين، و1500 إصابة للأطفال، بينما يبلغ عدد المراكز الصحية المخصصة للسرطان في البلاد نحو 19 مركزاً لكنها بحاجة لتأمين الأدوية الأساسية.
وبحسب السجل الوطني لمرضى السرطان في سوريا، فإن عدد الإصابات المسجلة سنوياً يبلغ 17500 إصابة، بينما يتراوح عدد الوفيات سنوياً بين 13 ألف حالة، وتكون ذروة حدوث الإصابات عند الرجال بين 60 و64 سنة، أما ذروة حدوث الإصابات عند النساء بين 50 و54 سنة.
ويعتبر معمل “كيور فارما” هو الوحيد الذي ينتج بعض أنواع الأدوية السرطانية داخل سوريا، حيث يؤمن 8 أصناف فقط من أدوية السرطان.
وكانت الصحة السورية تلجأ خلال السنوات الماضية إلى منظمة الصحة العالمية وبعض الدول، لتأمين حاجتها من الأدوية السرطانية، لأن العقوبات الغربية أثّرت بشكل كبير على سلاسل التوريد والإمداد.
اقرأ أيضاً: جهود متواصلة لوزارة الصحة لدعم وترميم القطاع الصحي
أدوية السرطان الأكثر نمواً
قبل الحرب في سوريا، اعتُبِرَتْ الصناعات الدوائية من بين الاستثمارات الأكثر نمواً، حيث كانت منتجاتها تغطي ما نسبته 93% من احتياجات السوق المحلية، لكن الإنتاج انخفض خلال سنوات الحرب إلى أقل من 70%، وبدأ التركيز ينصبّ نحو الاستيراد.
وتأثر الإنتاج بشكل كبير بعد خروج معامل عديدة من الخدمة، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي طالت القطاع الطبي بشكلٍ مباشر، ومنعت استيراد المواد الأولية، والآلات، وقطع التبديل، وبعض مواد التغليف، إضافة إلى حظر وصول أدوية الأمراض المزمنة، وكل ذلك أدى إلى تضرر في البنية الأساسية للقطاع الطبي في البلاد.
وفي العام 2010، بلغ عدد أطباء الأورام في سوريا 180 طبيباً، في حين أن هذا العدد تناقص في تدريجياً حتى وصل في العام 2021 إلى قرابة 160 طبيباً، منهم 80 طبيباً في مشفى البيروني في دمشق لوحده.
وأمام هذا الواقع، فإن وزارة الصحة السورية تواجه اليوم مهمة شاقّة بتأمين الحلول العاجلة لمرضى السرطان في البلاد، بداية من حلّ أزمة الدواء وتوفيره بشكل مستدام، وصولاً إلى دعم القطاع الطبي وخاصّة ما يتعلّق بالأمراض المزمنة والسرطانية، إضافة إلى إنشاء مراكز متخصصة بعلاج المرض في مختلف المحافظات، فهل يساعد تخفيف العقوبات الغربية في إنجاز هذه المهمة؟
اقرأ أيضاً: من ألمانيا إلى سوريا: «حملة شفاء» بقعة ضوء وسط الظلام