أعلنت دائرة التموين البحري عن تطبيق تخفيضات كبيرة على أسعار وقود السفن، في خطوة من شأنها تحفيز النشاط التجاري في الموانئ السورية، وتقديم حوافز عملية لعودة السفن الإقليمية والدولية إلى الرسو في مرافئ البلاد.
وكشف مدير فرع محروقات محافظة طرطوس، أمجد مرتضى، في تصريح لصحيفة “الوطن”، أن السعر الجديد لوقود السفن حدد عند 952 دولارًا للطن الواحد، مقارنة بالسعر السابق البالغ 1130 دولارًا، وهو ما يعد تطورًا جوهريًا في مسار تخفيض التكاليف التشغيلية لخطوط الملاحة البحرية.
وأشار مرتضى إلى أنه تم تزويد أول باخرة بهذا السعر المخفض، في مؤشر عملي على بدء تنفيذ القرار.
ويعكس التحول في تسعير وقود السفن انتقالاً واضحاً في منهجية إدارة القطاع، إذ كان النظام المخلوع، قد رفع السعر إلى 1700 دولار للطن، ما أدى إلى عزوف العديد من شركات الشحن عن المرور بالمرافئ السورية.
وأضاف مرتضى أن تحرير أسعار الوقود بعد التغيرات السياسية أتاح توفراً أفضل للمشتقات النفطية، وإن كان مصحوباً بارتفاع نسبي في التكاليف، إلا أن الأثر الإيجابي الأهم تمثل في زيادة الاستقرار في الإمداد، وتعزيز موثوقية الخدمات المقدمة للسفن.
اقرأ أيضاً: من أين يأتي النفط إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد؟
خطوات تنظيمية لتنشيط القطاع
بالتوازي مع التخفيضات في أسعار الوقود، اتخذت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية سلسلة من الخطوات التنظيمية الرامية إلى إعادة تأهيل القطاع البحري، وعلى رأسها تمديد مهلة تقديم طلبات ترخيص الوكالات البحرية الخاصة، في محاولة لإعادة الحياة إلى هذا القطاع الذي عانى من الركود لسنوات طويلة.
وقال الخبير البحري بسام عجورية، في تصريح لصحيفة “الحرية”، إن عدد الوكالات المرخصة أصولاً يبلغ نحو 100 وكالة، إلا أن 20 منها فقط ما زالت تمارس نشاطها فعلياً، نتيجة لتراجع حركة السفن، وغياب الحوافز التشغيلية في السنوات الماضية.
وأشار عجورية إلى أن تفعيل هذه الوكالات سيسهم في رفع جودة الخدمات البحرية، من خلال تسريع إجراءات الشحن والتفريغ، وتأمين الدعم الفني للطواقم، وتقديم إرشادات السلامة للربابنة، ما يؤدي إلى تقليل عدد المخالفات، وتقصير مدة مكوث السفن في الموانئ، وهو ما ينعكس إيجاباً على السمعة التجارية للمرافئ السورية.
يذكر أن الوكالات البحرية الخاصة بدأت عملها في سوريا بموجب المرسوم رقم 152 لعام 1952 ، حيث الترخيص يبدأ من المديرية العامة للموانئ.
ووصل عدد الوكالات المرخصة في عام 1977 إلى (87) وكالة بحرية، وكان المقر الرئيس لبعضها في سوريا ولديها فروع في دول الجوار حتى عام 1980 حيث تم وقف تجديد التراخيص واعتمدت الشركة العامة للتوكيلات الملاحية وكيلاً حصرياً في سوريا حتى صدور المرسوم رقم 55 لعام 2002 الذي أجاز للوكالات الخاصة مزاولة المهنة من جديد.
تنظيم الوكالات البحرية: قراران يحددان المستقبل
ضمن هذا السياق، صدرت حزمة من القرارات التنظيمية الجديدة، أبرزها القرار رقم 42 لعام 2025، الذي ينظم عمل الوكالات البحرية الخاصة، ويضع أسسًا واضحة لآلية ترخيصها، بالإضافة إلى القرار رقم 45، الذي يحدد شروط تجديد الترخيص السنوي.
وتأتي هذه القرارات في إطار رؤية إصلاحية شاملة تستهدف تحسين الكفاءة التشغيلية، وضمان انضباط عمل القطاع البحري وفق معايير حديثة، تواكب متطلبات الأسواق الإقليمية والدولية، خاصة في ظل المنافسة القوية من موانئ الجوار.
اقرأ أيضاً: التجارة بين سوريا ودول الإقليم.. نمو متوقع وتحديات قائمة
إعادة هيكلة الموانئ: كفاءة واستقلالية
من جانب آخر، شهدت البنية الإدارية للموانئ السورية إعادة هيكلة جوهرية، تمثلت في دمج إدارات الموانئ الرئيسية، وهي اللاذقية، طرطوس، بانياس وجبلة، تحت مظلة هيئة واحدة تتمتع بالاستقلال الإداري والمادي، وهي هيئة المنافذ البرية والبحرية، مما يسهل عملية التنسيق بين الجهات المعنية، ويرفع من مستوى الكفاءة التشغيلية في إدارة الأنشطة التجارية واللوجستية.
وهذا التوجه يعد خطوة استراتيجية لإعادة تموضع الموانئ السورية في خارطة التجارة البحرية في شرق المتوسط، مستفيدة من موقعها الجغرافي الحيوي، والإرث اللوجستي العريق الذي تمتلكه.
موانئ تتعافى… ولكن التحديات قائمة
رغم التحسن الملحوظ في الأداء والسياسات، يرى مراقبون أن الموانئ السورية لا تزال تواجه جملة من التحديات اللوجستية والفنية، على رأسها تحديث البنية التحتية، وتحسين الربط مع المراكز البرية والحدودية مع دول الجوار مثل تركيا، العراق، لبنان، والأردن.
كما أن استعادة ثقة الخطوط الملاحية العالمية، التي تبحث عن الاستقرار السياسي والاقتصادي كضمانة أساسية، تتطلب عملاً دبلوماسياً واقتصادياً متواصلاً، بالإضافة إلى تحسين مؤشرات الشفافية وتسهيل الإجراءات الجمركية.
ومع تطبيق هذه السياسات الجديدة، من تخفيض التكاليف إلى تسهيل التراخيص، تبدو سوريا وكأنها تعيد تشكيل بواباتها البحرية على أسس أكثر مرونة وانفتاحًا.
وإذا استمرت هذه الجهود بالوتيرة ذاتها، فإن الموانئ السورية قد تعود إلى أداء دورها التاريخي كبوابة أساسية للتجارة في المنطقة، مما يدعم الاقتصاد الوطني، ويعزز من فرص الاستثمار في قطاع النقل والخدمات اللوجستية.