بعد سنواتٍ طويلة من العزلة، تعود دمشق تدريجياً إلى الساحة الإقليمية والدولية، خطوة بعد خطوة. فمن استعادة عضويتها في منظمة التعاون الإسلامي، إلى الإعلان عن إعادة تفعيل عضويتها في مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، تتشكل ملامح تحول اقتصادي – وإن كان خجولاً – في خضم واقع سياسي معقد. فهل تحمل هذه العودة فائدة حقيقية لسوريا؟ أم أن العقوبات والعوائق الدولية ستجعلها مجرد خطوة رمزية بلا أثر فعلي؟ هذا ما سنناقشه في السطور التالية.
أعلن البنك الإسلامي للتنمية موافقته على إعادة تفعيل عضوية سوريا التي كانت مجمدة منذ أكثر من عقد. وقد جاء هذا القرار استجابةً لطلب رسمي من الإدارة الانتقالية السورية، وُجه إلى رئيس البنك محمد الجاسر، في شهر آذار/مارس الماضي. وتعود عضوية سوريا الأصلية في البنك إلى أيلول/سبتمبر من عام 1975، لكنها جُمّدت بالتزامن مع تعليق عضويتها في منظمة التعاون الإسلامي في عام 2012.
تفعيل هذه العضوية لا يقتصر فقط على البعد الرمزي، بل قد يفتح الباب مجدداً أمام دمشق للحصول على تمويلات، ودعم تنموي من مؤسسات مصرفية إسلامية ضخمة ذات نفوذ وتأثير في المنطقة.
مكاسب متوقعة: تمويل وإعمار وتعاون إقليمي
المؤيدون لهذه الخطوة يرون فيها بداية واعدة لإعادة دمج سوريا في النظام المالي الإسلامي، بما في ذلك إمكانية الوصول إلى دعم مباشر في قطاعات التعليم، الصحة، البنية التحتية والطاقة. فبحسب أرقام البنك، بلغت قيمة تدخلاته في سوريا منذ 1975 وحتى نهاية 2024 نحو 632 مليون دولار أمريكي، توزعت بين تمويل مشاريع تنموية، دعم القطاع الخاص، وتمويلات تجارية وتأمينات ائتمانية.
ومن أبرز الأمثلة على التدخلات السابقة، تمويل مشروع لتوسيع شبكة مياه دمشق بقرض بلغ 75 مليون يورو عام 2010. ويُنتظر اليوم، بحسب تصريحات رئيس البنك محمد الجاسر، أن يتم التوجّه إلى مشاريع حيوية مثل إعادة تأهيل قطاع الكهرباء، خاصة وأن للبنك خبرة كبيرة في مشاريع الربط الكهربائي الإقليمي.
شبح العقوبات الأميركية
لكن الطموحات تقف عند بوابة واقعية صعبة، وهي استمرار العقوبات الأميركية على سوريا، والتي يُنظر إليها كأكبر عائق أمام فعالية أي تحرك اقتصادي أو تمويلي. وفي حديثه حول ذلك، أشار الباحث رامي القليوبي إلى أن العقوبات تمنع فعلياً انخراط المؤسسات والدول الراغبة في دعم سوريا، لما قد يترتب عليه من تبعات قانونية واقتصادية.
وحتى الدول الفاعلة في منظمة التعاون الإسلامي مثل السعودية وقطر، يُرجّح أن تلتزم الحذر، خشية الوقوع في فخ العقوبات الثانوية. كما أن الشكوك الغربية المستمرة حيال الحكومة السورية تُصعّب المهمة، خاصة مع تراجع مستوى الاعتراف الدبلوماسي بها في عدة دول.
رأي الخبراء: عودة بفرص محدودة وآمال مشروطة
يرى الخبير الاقتصادي طارق العلي في هذه العودة فرصة لتخفيف العزلة المالية التي تعاني منها سوريا، مع إمكانيات حقيقية لجذب مستثمرين من الدول الإسلامية، والانفتاح على تجارب مصرفية حديثة، واستفادة من التكنولوجيا البنكية المتطورة التي يعتمدها البنك الإسلامي للتنمية. لكنه في الوقت نفسه يُحذّر من أن العقوبات قد تُفرغ هذه الفرصة من مضمونها، ما لم يُرافقها تحرك سياسي فعّال لتخفيف الضغوط الغربية.
ومن جانبه، وصف الصحفي مرشد النايف، خطوة العودة بأنها بداية تحول إيجابي تدريجي، يمكن أن يُسهم في إعادة بناء علاقات تعاون مصرفي واقتصادي مع دول الجوار والمنظمات الإسلامية، مشيراً إلى ضرورة تحديد الأولويات الحكومية بوضوح كي يتمكّن البنك من التدخل بفعالية.
خطوة على طريق محفوف بالقيود
ختاماً، تعدّ عودة سوريا إلى البنك الإسلامي للتنمية بلا شك خطوة مهمة، لكن فائدتها الفعلية ستبقى رهينة التوازن بين الواقع السياسي والفرص الاقتصادية. فبينما تحتاج البلاد إلى تمويلات ضخمة لإعادة الإعمار، وفتح نوافذ جديدة للتعاون التنموي، فإن استمرار العقوبات الأميركية يظل العامل الأكثر تأثيراً في كبح أي نتائج ملموسة. إنها باختصار «عودة نصف نافعة»، تفتح باب الأمل، لكنها لا تضمن العبور الكامل ما لم تتغير المعادلات السياسية الكبرى.