في ليلة أربيلية كانت مشحونة بالترقب، حيث تتقاطع الأجندات الدولية والإقليمية، اجتمع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي بوزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو (Jean-Noël Barrot)، برفقة الرئيسة المشاركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، إلهام أحمد. لكن ما الذي دار فعلياً خلف أبواب الاجتماعات المغلقة؟ هل كان الحديث عن التحالفات العسكرية، أم عن ترتيبات سياسية أعمق تخص مستقبل المنطقة؟ أسئلة تفتح الباب أمام قراءة أوسع للمشهد.
اجتماعات متوازية وشخصيات بارزة
التقى مظلوم عبدي والوفد المرافق له كلاً من وزير الخارجية الفرنسي ورئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني (Nechirvan Barzani)، في لقاءين منفصلين جرت وقائعهما مساء الأربعاء 23 أبريل 2025 في أربيل.
ومن جانبها، شاركت إلهام أحمد أيضاً في الاجتماعات، حيث شكل حضورها إلى جانب عبدي مؤشراً على رغبة «الإدارة الذاتية» بإظهار تمثيل سياسي واسع خلال اللقاءات مع باريس وأربيل.
دعم فرنسي مشروط
وبينما تناقلت بعض وسائل الإعلام الكردية أنباءً عن نية فرنسا زيادة قواتها العسكرية ضمن التحالف الدولي في مناطق «قسد»، أكدت مصادر مقرّبة من عبدي أن هذه الأنباء غير دقيقة. غير أن المصدر ذاته أوضح أن باريس تدرس فعلياً سبل دعم قوات سوريا الديمقراطية في حال حدوث تقليص في عدد القوات الأمريكية المنتشرة شرق الفرات.
وفي تغريدة نشرها جان-نويل بارو على حسابه الرسمي على منصة «إكس»، أكد أن «فرنسا وقوات سوريا الديمقراطية قاتلتا جنباً إلى جنب ضد تنظيم داعش على مدى عشر سنوات»، مشيراً إلى أن «جميع حقوق ومصالح الأكراد يجب أن تُؤخذ في الاعتبار خلال المرحلة الانتقالية السورية».
ترتيب البيت الكردي
من جهة أخرى، تناول اللقاء بين عبدي وبارزاني مسألة ترتيب «البيت الكردي»، وهو تعبير سياسي يشير إلى الجهود الرامية لتوحيد الصف الكردي السوري استعداداً لمؤتمر وطني مقرر عقده السبت المقبل.
وبحسب مصادر من دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، وصف الاجتماع بين عبدي وبارزاني بالإيجابي، مع تأكيدات أن أجواء اللقاء ستنعكس على سير أعمال المؤتمر بهدف الخروج بموقف كردي موحد في مواجهة دمشق ضمن وفد تفاوضي واحد.
دور الوساطة والضغط الإقليمي
تسعى أربيل للعب دور مزدوج في الأزمة السورية؛ فمن جهة تعمل على ترتيب الصف الكردي الداخلي، ومن جهة أخرى تحاول التوسط بين «قسد» وأنقرة من أجل تثبيت هدنة دائمة، وسط ضغوط تركية متواصلة وتهديدات بشن عمليات عسكرية جديدة.
كما أن باريس، بحسب ما كشفته مصادر مطلعة، تحاول بالتعاون مع الولايات المتحدة، تكثيف الضربات الجوية ضد خلايا «داعش» النائمة، وتلعب دوراً دبلوماسياً فاعلاً للتوسط بين الأطراف الكردية والنظام السوري وكذلك بين «قسد» وأنقرة.
علاقات متجذرة بين قسد وفرنسا
العلاقة بين «قسد» وفرنسا ليست وليدة اللحظة. تعود جذورها إلى عام 2015، عندما كان مقاتلو الأكراد يتصدون لهجوم تنظيم «داعش» على مدينة عين العرب/كوباني، حيث دعمت باريس حينها بشكل لافت جهود المقاومة الكردية.
في ذلك الوقت، استقبل الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند (François Hollande) وفداً كردياً رفيعاً ضمّ قيادات من وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ)، اللتين شكلتا لاحقاً النواة الأساسية لقوات سوريا الديمقراطية.
لاحقاً، واصل الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون (Emmanuel Macron) سياسة الانخراط مع «قسد»، حيث استقبل ممثلين عنها في مناسبتين على الأقل خلال السنوات الماضية، ما يؤكد أن العلاقة الفرنسية الكردية استراتيجية وليست تكتيكية عابرة.
اقرأ أيضاً: هل خطا الاتفاق مع «قسد» خطوة إلى الأمام؟!
ما بعد أربيل: رهانات ومخاوف
يبدو أن باريس تراهن على «قسد» كورقة ثابتة في المشهد السوري المتغير، لكنها أيضاً تواجه تحديات معقدة؛ إذ أن أي دعم مفرط قد يثير حساسية أنقرة التي تعتبر «قسد» امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف إرهابياً لديها.
في المقابل، تبدو «قسد» اليوم أكثر انفتاحاً على ترتيب علاقاتها الداخلية والخارجية، سعياً لضمان تمثيلها في أي مرحلة انتقالية مستقبلية، معتمدة على دعم حلفائها الغربيين وفي مقدمتهم فرنسا.