في مطلع عام 2025، ومع انطلاق مرحلة جديدة في سوريا تتسم بالسعي نحو الاستقرار والتعافي الاقتصادي، برزت مؤشرات تعكس حيوية القطاع الصناعي وإمكانية استعادة نشاطه.
حيث أعلنت وزارة الاقتصاد والصناعة السورية، التي تأسست حديثًا بدمج ثلاث وزارات، لتعزيز الكفاءة وتسريع اتخاذ القرارات الاقتصادية، عن بيانات توضح حجم النشاط الاستثماري خلال الربع الأول من العام.
وتظهر أعداد المشاريع المرخصة خلال هذه الفترة مدى تجاوب القطاع الخاص والمستثمرين مع التوجهات الجديدة والبيئة الاقتصادية المستحدثة، مشيرة إلى وتيرة إعادة بناء القاعدة الإنتاجية ودفع عجلة التنمية.
أرقام تبشر بالانتعاش الاقتصادي
تشير الأرقام الصادرة عن الوزارة إلى منح تراخيص لـ 345 منشأة صناعية جديدة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، وهو رقم يعكس نشاطاً ملحوظاً في القطاع الصناعي قد يبشر ببداية انتعاش تدريجي.
وهذه المنشآت الجديدة لا تمثل فقط استثمارات رأسمالية، بل تحمل معها وعوداً بتوفير فرص عمل تشتد الحاجة إليها، حيث يقدر مجموع العمال الذين ستستوعبهم هذه المصانع بنحو 4242 عاملاً.
ويتوزع هذا النشاط الصناعي على قطاعات متنوعة، مما يدل على قاعدة صناعية تحاول استعادة تنوعها؛ حيث شملت التراخيص 111 منشأة في قطاع الصناعات الكيميائية يعمل بها 911 عاملاً، و76 منشأة في الصناعات الغذائية تستوعب 887 عاملاً، بالإضافة إلى 64 منشأة هندسية توفر 376 فرصة عمل.
واللافت للنظر هو الحضور القوي لقطاع الصناعات النسيجية، الذي حظي بـ 94 ترخيصاً جديداً ويتوقع أن يوظف العدد الأكبر من العمال بواقع 2068 عاملاً، مما يؤكد على الأهمية المحورية لهذا القطاع التقليدي في الاقتصاد السوري وقدرته على التوظيف المكثف.
سوريا الجديدة
إن هذا الارتفاع في إصدار تراخيص المشاريع لا يأتي من فراغ، بل يتزامن مع حزمة من الإجراءات والتوجهات التي تتبناها الإدارة السورية الجديدة بهدف تحرير الاقتصاد من القيود السابقة وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي.
فمنذ التغييرات الأخيرة، شهدت البلاد، بحسب مصادر حكومية، زيارات لمئات الوفود الاستثمارية من رجال أعمال وشركات عربية وأجنبية، بالتوازي مع جهود حكومية لإعادة هيكلة بعض المؤسسات التي كانت تشكل عائقاً أمام الانفتاح الاقتصادي.
كما تضمنت الإجراءات إصدار تعرفة جمركية جديدة تهدف إلى حماية وتشجيع التصنيع المحلي وتحسين جودة الإنتاج الوطني.
وهذه الخطوات، بالإضافة إلى دراسة خطط لإعادة تشغيل المصانع المتوقفة أو طرحها للاستثمار، وخاصة تلك التي تمثل ركائز أساسية في الصناعات الوطنية، تشكل مجتمعة بيئة قد تكون أكثر جاذبية للمستثمرين الراغبين في تأسيس أو توسيع مشاريع مرخصة جديدة، كما يتضح من استقبال مدن صناعية مثل حسياء لمستثمرين جدد مؤخراً.
اقرأ أيضاً: بماذا تنفع عودة سوريا إلى البنك الإسلامي للتنمية؟
اقتصاد السوق الحر!
ويأتي دمج وزارات الاقتصاد والتجارة الخارجية، والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، والصناعة في وزارة واحدة تحت مسمى “وزارة الاقتصاد والصناعة” كخطوة استراتيجية ضمن هذا التوجه الأوسع نحو اقتصاد السوق الحر.
ويهدف هذا الدمج إلى تقليص البيروقراطية، ومنح مرونة أكبر للمؤسسات الاقتصادية، وتسريع آليات اتخاذ القرار، مما قد ينعكس إيجاباً على تسهيل إجراءات الحصول على التراخيص اللازمة للمشاريع الجديدة.
ومع ذلك، يطرح هذا التوجه نحو تحرير الأسواق تحديات أيضاً، حيث يحذر اقتصاديون من أن غياب الرقابة الصارمة قد يؤدي إلى تفلت الأسعار وظهور ممارسات احتكارية، مما يستدعي وضع ضوابط تشريعية وإدارية تضمن حماية المستهلك وتحقيق توازن بين حرية السوق والمصلحة العامة.
كما إن نجاح هذه المرحلة الانتقالية يعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة على بناء بيئة اقتصادية سليمة وشفافة، قادرة ليس فقط على استقطاب الاستثمارات، بل أيضاً على ضمان استدامتها وفوائدها للمجتمع ككل.
طريق التعافي الاقتصادي
تقدم أرقام الربع الأول من عام 2025 المتعلقة بـالمشاريع المرخصة بصيص أمل وتشير إلى بداية تحرك في القطاع الصناعي السوري.
ومع أن الطريق نحو التعافي الاقتصادي الكامل لا يزال طويلاً ومليئاً بالتحديات، إلا أن هذه المؤشرات الأولية، مقترنة بالخطوات الإصلاحية الهيكلية والتوجه نحو جذب الاستثمارات ودعم الإنتاج المحلي، تعكس التزاماً واضحاً بإعادة بناء الاقتصاد.
ويبقى الرهان على استمرارية هذه الجهود، ونجاحها في تهيئة المناخ المناسب لعودة الكفاءات السورية، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام يوفر فرص عمل حقيقية ويحسن المستوى المعيشي للمواطنين، لتكون المشاريع المرخصة اليوم نواة لصناعة قوية ومستقبل اقتصادي أفضل لسوريا.
اقرأ أيضاً: لدعم الاقتصاد.. اتفاق أممي مع 4 بنوك سورية