في بلد أرهقته سنوات من الحرب والتحولات السياسية والاقتصادية، تبرز الحاجة إلى مؤسسات أمنية فعالة قادرة على مواكبة التحديات المعاصرة. من هذا المنطلق، أعلن وزير الداخلية السوري أنس خطاب، عن الخطوط العريضة لخطة عمل وزارته للمرحلة القادمة، وذلك بعد سلسلة من الاجتماعات مع الكوادر الأمنية والإدارية في الوزارة، ساعياً إلى إطلاق رؤية طموحة لبناء مجتمع أكثر أماناً واستقراراً.
هيكلة التمثيل الأمني
من أبرز ما تضمنته الخطة هو إحداث تغيير جوهري في طريقة تمثيل وزارة الداخلية على مستوى المحافظات. فبدلاً من وجود مديريتي أمن وشرطة بشكل منفصل، سيتم توحيد هذه المهام تحت إشراف مسؤول واحد يمثل الوزارة، ما يُسهم في توحيد القرار وتعزيز التنسيق بين الفروع المختلفة، وبالتالي تحسين سرعة الاستجابة للظروف الطارئة وتبسيط سير العمل.
من الورق إلى التكنولوجيا
وفي خطوة تستهدف رفع مستوى الأداء في مجال التحقيقات، كُلّفت إدارة المباحث الجنائية بوضع خطة تطوير علمية وعملية تتضمن تحديث المعدات، ورفع كفاءة الكوادر، وتزويد المختبرات بأحدث التقنيات، في محاولة لبلوغ أعلى درجات الدقة والمهنية في كشف الجرائم.
ومع تفاقم ظاهرة المخدرات في البلاد، خصوصاً الكبتاغون، أشار الوزير إلى سعي الوزارة إلى تعزيز قدرات إدارة مكافحة المخدرات، من خلال دعمها بالمعدات الحديثة، وتدريب كوادرها بشكل متخصص. ووفق الوزير، فإن هذا التوجه يأتي كجزء من خطة أوسع لحماية المجتمع من هذه الآفة التي تهدد استقراره وسلامة أفراده.
ورغم ما تعرض له مقر إدارة الهجرة والجوازات من دمار وحرائق خلال الأزمة، فإن الجهود أعادت الروح إلى هذا القطاع الحيوي على حدّ قول الوزير. وقد أكد خلال حديثه إصدار أكثر من 160 ألف جواز سفر في فترة زمنية قصيرة، مع استمرار تطوير الخدمات لتحسين الأداء وسرعة الإنجاز، نظراً لتأثير هذا القطاع المباشر على حياة المواطنين.
نحو وزارة رقمية
أحد المحاور الرئيسية في الخطة هو التوجه نحو الأتمتة والتحول الرقمي. وقد تم عقد اجتماعات مع مختصين في التقنية لبحث تحديث قواعد بيانات الأحوال المدنية، وإنشاء قاعدة مركزية موحدة للبيانات. ويجري التحضير لإطلاق تطبيقات إلكترونية بالتعاون مع وزارة الاتصالات، بهدف تسهيل الخدمات الحكومية وتقليل الجهد والوقت اللازمين لإتمام المعاملات كما كشف الوزير خطاب.
وفي قطاع المرور، يجري وفق الوزير العمل على إدخال التكنولوجيا الذكية، مثل أنظمة الكاميرات وأجهزة ضبط السرعة، لمعالجة مشكلات السير والازدحام. كما تُدرس حلول إسعافية تخص مدينة دمشق، وتخضع هذه المقترحات لمراجعة لجان متخصصة حسي قوله.
كما شدد خطاب على أهمية إعادة هيكلة وزارة الداخلية بما ينسجم مع المهام المناطة بها، عبر مراجعة البنية التنظيمية لضمان كفاءة الأداء وربط العلاقات الوظيفية بشكل منظم بين الإدارات المختلفة.
ملف السجون: من أماكن احتجاز إلى مراكز تأهيل
الوزير تطرّق أيضاً إلى ملف السجون، معترفاً بما يحمله هذا الملف من رمزية سلبية في الوعي الجمعي السوري. وبيّن أن الوزارة تسعى لتحويل السجون إلى مؤسسات إصلاحية تؤهل السجناء للاندماج مجدداً في المجتمع، وذلك بالتوازي مع خطة لإعادة تأهيل السجون الحالية بشكل مؤقت لحين الانتهاء من تجهيز مراكز احتجاز جديدة.
وفي بادرة لتحسين العلاقة بين المواطنين والوزارة، وعد الوزير بافتتاح دائرة خاصة لتلقي الشكاوى في مركز مدينة دمشق خلال الأسابيع القليلة المقبلة، على أن تُعمّم التجربة لاحقاً على محافظات أخرى، بدءاً من مدينة حلب.
هذا وشملت الخطة جانباً دولياً، حيث تم إرسال بعثات تخصصية إلى عدد من الدول الصديقة للاطلاع على التجارب الأمنية الناجحة. وحسب الوزير استقبلت الوزارة وفوداً أجنبية لبحث تطوير العمل الأمني والتدريبي، مع التركيز على التعاون الإقليمي في ملفات مثل محاربة الإرهاب والمخدرات وضبط الحدود.
وزارة الداخلية: صمتٌ في العمل… ولكن!
وفي ختام عرضه للخطة، شدد الوزير على أن العمل في الوزارة سيُنفذ بصمت، لكن نتائجه ستكون محسوسة في حياة المواطنين. وأضاف: «نحن العين الساهرة التي لن تغمض حتى ينعم الجميع بالأمان، بعد أن حُرموا منه لعقود».
يشار هنا إلى أنه رغم ما حملته الخطة التي أعلنتها وزارة الداخلية السورية من عناوين طموحة وإصلاحات شاملة تمسّ قطاعات حيوية كالأمن والمخدرات والهجرة والتحول الرقمي، إلا أنّ تحديات تنفيذها تبدو أكثر تعقيداً مما يظهر في التصريحات الرسمية.
فحتى اللحظة، لم تُرفَق الخطة بأي جدول زمني واضح أو خارطة طريق تنفيذية تُحدّد مواعيد البدء والانتهاء، أو الجهات المسؤولة عن كل مرحلة، ما يثير تساؤلات مشروعة حول آلية المتابعة والمساءلة ومدى إمكانية ترجمة هذه التوجهات إلى خطوات عملية ملموسة.
وتشير مصادر مطّلعة إلى أن التحديات اللوجستية، وضعف الإمكانيات، وتعدد الجهات المتداخلة في بعض الملفات، قد تعرقل تحقيق التغيير المأمول، خصوصاً في ظل غياب مؤشرات واضحة لمرحلة التطبيق، وسط وعود عامة بمتابعة العمل «بصمت».
ويرى مراقبون أن نجاح الخطة لا يعتمد فقط على نوايا الإصلاح، بل على مدى التزام الوزارة بوضع آليات تنفيذ شفافة، وتقديم تقارير دورية تشرح للمواطنين أين بدأت الخطة، وما الذي تحقق، وأين تعثّرت ولماذا.
اقرأ أيضاً: قرارات الحكومة الألمانية الجديدة تحبط اللاجئين السوريين
اقرأ أيضاً: وزارة العدل تقرر تشكيل لجنة قضائية لمراجعة أحكام محكمة الإرهاب