“لا تقص أضافرك بالليل ولا تترك المقص مفتوح”! جمل اعتدنا سماعها في معظم البيوت السورية، لكنها في الواقع ليست سوى جزءاً من الخرافات والمعتقدات الشعبية التي تناقلها الناس جيلاً بعد جيل. وعلى الرغم من أننا في القرن الحادي والعشرين إلّا أن الكثير من الناس لا يزالون يؤمنون بها ويتعاملون معها بجدية، فإذا أردنا، ولو على سبيل الطرفة، أن نمرّ على أبرز هذه المعتقدات والخرافات وبعض أصولها، فما هي؟
في العموم، لا تخلو ثقافة أي شعب أو حضارة من المعتقدات التي تنتشر بين الناس، وغالباً ما تكون متوارثة لتصبح جزءاً من الوعي الجمعي، والمجتمع السوري، كغيره من المجتمعات، يزخر بهذه الخرافات، والتي لا تستند في غالبيتها إلى أي أساس علمي، فبعضها مرتبط بمعتقدات خاصة أو بحوادث معينة صادف وقوعها وأصبح يُنسب إليها دلالات خاصة، ومع مرور الزمن اكتسبت قدسية أو رهبة.
ويؤمن كثير من السوريين بالخرافة، حتى المتعلمين والمثقفين منهم! ورغم وجود سوريون كثر لا يؤمنون بالخرافات، إلا أنهم يتداولونها بحكم العادة، وقد يمتنعون عن فعل معين لا إرادياً بسبب خرافة سمعوها في صغرهم ولا تزال عالقة في أذهانهم، وفي هذا المقال سنتحدث عن أشهر الخرافات في سوريا.
اقرأ أيضاً: رحلة تطور الزي السوري من الشروال إلى الجينز!
أشهر الخرافات في سوريا
الخرزة الزرقاء والعين
الخرزة الزرقاء من أكثر المعتقدات الشائعة في المجتمع السوري، إذ يعلّقها الكثير من الناس في البيوت والمحلات وفي السيارات، كما يرتديها البعض كإكسسوار، وتُلبسها الأمهات لأطفالهن الرضّع لحمايتهم من “العين”.
ولا شكّ من أنه لدى كل شخص منّا صديق أو قريب كلما أصابه المرض مرة مهما كان، يقول لك: “صابوني عين”، لدرجة أنك تيأس منه وتودّ أن تقول له: “على شو بدهن يصيبوك”؟
ومن المواقف الساخرة المرتبطة بها والتي تظهر مدى إيمان السوريين بها، حلقة من مسلسل “ضيعة ضايعة” حين يظن الناس في القرية أن “أسعد” يصيب بالعين، فينبذه الجميع ويهربون منه.
ورغم أن الحسد مذكور في القرآن الكريم، إلا أن المبالغة في نسب كل سوء ومرض إليه تجعلنا نتساءل عن أصل هذه الفكرة ومدى صحة الإيمان بها، بل والخوف من متاجرة المحتالين بها بالاعتماد على الشعور الديني الطيب لدى عموم السوريين.
وتختلف الروايات حول أصل الخرزة الزرقاء، فالبعض يُرجعها إلى الشعوب السامية التي سكنت حوض البحر المتوسط، إذ استخدمت رسمة الكف والعين الزرقاء لترهيب الرومان المستعمرين، الذين تميزوا بالعيون الزرقاء، كتعبير عن رفض الاحتلال. فيما تذكر روايات أخرى أن أصلها يعود إلى المصريين القدماء، الذين كانوا يخافون من أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء.
الطرق على الخشب
وهي من الخرافات المنتشرة بكثرة أيضاً، إذ يقال بأن “الطرق على الخشب” يبعد الحسد، فكثير من الناس، حتى من المثقفين والمتعلمين، حين يمدحون شخصاً أو شيئاً يقولون: “لا تخاف هي دقيت عالخشب”… وما الذي يمكن للخشب أن يفعله، أم أنّ عقولنا قد لُسِعت فحسب!
وتعود جذور هذه الخرافة في الأصل إلى أوروبا، فقد زعمت بعض الكنائس خلال العصور الوسطى أنها تمتلك أجزاء من الصليب الذي صُلب عليه المسيح. ومن هنا بدأت الكنائس تروّج لفكرة أن الطرق على الخشب يجلب الحظ الحسن ويطرد النحس.
سكب القهوة وكسر الزجاج
يعتقد كثير من السوريين أن سكب فنجان القهوة أو فوران القهوة من دون قصد “فأل خير”، أما كسر الكؤوس الزجاجية فيعتقدون أنه إبعاد للشر حين يقولون: “انكسر الشر”، ولربما يعود أصل هذه الخرافة إلى أن الطاقة السلبية تولّد التوتر وعندما ينكسر الزجاج يأخذ معه هذه الطاقة ويبعدها، وبالطبع لا أساس علمي صريح لها.
وبالحديث عن الطاقة السلبية، تضع الكثير من النساء صرر من الملح تحت السرير لاعتقادهن بأن الملح يسحب الطاقة السلبية من المنزل، كما نسمع بعض الأشخاص ينصحون العرائس الجدد باستخدام هذه الطريقة عندما تتزايد المشاكل مع أزواجهن!
اقرأ أيضاً: كيف يحتفل السوريون في عيد الفصح 2025؟
حكة اليد والأنف والقدم
حكة اليد كذلك من المعتقدات الغريبة التي يتداولها السوريون، فيقولون حكة اليد اليمنى تنذر بخسارة مالية أو دفع للأموال، بينما حكة اليد اليسرى تبشّر بربح مال أو قبض المرتّب… وللأسف “حكة اليد اليمنى هي الغالبة هذه الأيام”.
أما عندما يشعر الشخص بحكة في أنفه يقول: “مع من سأتشاجر يا ترى؟” وعندما تحكه قدمه يقول: “يبدو أنني سأسافر إلى مكان ما”.
طرفة العين وطنين الأذن
تقول الخرافة هذه أنه عندما تطرف العين اليمنى فإن ضيفاً عزيزاً سيأتي إلى منزلك، أو أنك ستتلقى خبراً جيداً، أما إن كانت اليسرى، فسيكون خبراً سيئاً.
أما طنين الأذن فيدلّ حسب المعتقدات أنه شخصاً ما يتحدث عنك، ويقولون: “اليسار مسرّة، واليمين مضرّة”، أي أن طنين الأذن اليسرى يعني أن أحدهم ذكرك بالخير، واليمنى تعني أنهم يذكرونك بسوء!
رش المياه و كسر الجرة
يرى بعض السوريون أن رش الماء على أحدهم عند توديعه فأل شؤم، وقد يؤدي إلى الفراق الدائم.
وعندما يكون الضيف ثقيل الظل، تكسر بعض العائلات جرة خلفه بعد مغادرته، اعتقاداً بأنها تمنع عودته مجدداً!
فتح المقص والمظلة
يقال إنّ ترك المقص مفتوحاً في المنزل قد يؤدي إلى خلافات بين سكانه، وفتح المقص دون استخدامه قد يجلب الحظ السيئ، أما فتح المظلة داخل المنزل، فيعدّ نذير “موت”.
اقرأ أيضاً: تأهيل جبل قاسيون: هل تتحول الصور التخيلية إلى حقيقة؟
الحذاء المقلوب
كم مرة كان حذاؤك مقلوباً وقال لك والديك أسرع واقلبه، وعندما تسألهم لماذا يقولون لك: “حرام، سوف تحزن الملائكة ولن تدخل المنزل”، ويظن البعض أيضاً أن الحذاء المقلوب نذير شؤم.
وفي معتقد مضحك، يقولون إذا سمعت صوت “الواوي – الجقل” أسرع واقلب حذاءك ليصمت!
خرافات عن الحيوانات
ما زال كثير من السوريين يتشاءمون من رؤية البوم أو الغراب، ويعتبرونهم نذير شؤم وموت، وكذلك من القطة السوداء التي يقولون أنها “جنّ”، ويصدقون بها لدرجة أن البعض يقسمون بأنها تحدثت معهم!
خرافات الأعراس والزواج
هناك خرافات كثيرة مرتبطة بالأعراس، منها أن دوس العروس على أقدام صديقاتها العازبات أو كتابة أسمائهنّ على أسفل حذائها يسرّع من زواجهنّ.
وفي بعض الأرياف، وعند دخول العروس إلى منزل الزوجية، تقوم بلصق عجينة على الحائط قرب الباب، فإن التصقت فهي “لازقة”، وإن سقطت العجينة فيعني أن زواجها لن يكون سعيداً.
وهناك عبارة تحولت مع مرور الوقت من خرافة إلى أسلوب ترحيب طريف، فكثيراً ما يأتي ضيف فجأة على وقت الطعام فنقول له: “حماتك بتحبك”.
خرافات الحمل والولادة
ما أكثر الخرافات بين النساء خاصة، لذا للحوامل نصيب كبير منها فمثلاً، يُقال إن رغبة المرأة بتناول الحامض أو إن كبر أنفها يعني أن الجنين ذكر، وإن رغبت في الحلويات أو ازدادت جمالاً فالمولودة أنثى، ويقولون لها: “أكيد معك بنت، عاطيتك جمالها”!
ومن الخرافات التي تتحجج بها المرأة الحامل لتتدلل على زوجها وليلبي طلباتها، أنه إذا اشتهت طعاماً معيناً ولم تتناوله، سيؤدي إلى ظهور “وحمة” بشكل هذا الطعام على جسد الطفل، فتسمعها تقول: “بدي كذا، ولا بيطلع بعين الصبي”، والزوج المسكين يصدق على الفور!
اقرأ أيضاً: من بداية خجولة إلى القمة: كيف أصبحت الدراما السورية سيدة الشاشات؟
سجادة الصلاة
يُقال إنه إن تركت سجادة الصلاة مفرودة طوال الوقت، فإن الشيطان سيصلي عليها! وبعض الناس يقولون إن الملائكة تظل ترفعها حتى وقت الصلاة القادمة.
تقليم الأظافر ليلاً ووضع الحقيبة على الأرض
يصدق البعض أيضاً بأن تقليم الأظافر في الليل يجلب الفقر، كما أن ترك محفظة النقود أو حقيبة اليد على الأرض يدلّ على الإهمال، وقد يجلب الفقر أيضاً، كذلك، لا يحبذ كثيرون الاستحمام في الليل، لأن “الجنّ يكونون في الحمام”!
خرافات متفرقة وطريفة
من الخرافات الطريفة في سوريا، أن من يرى حيواناً ميتاً في الطريق عليه أن يشدّ شعره، وإلا سيشيب!
وعندما ينتهي شخصان من تناول الطعام في الوقت ذاته، يقول أحدهما: “كُل لقمة لسا حتى ما نتخانق”، وإذا سقط طعام على الأرض يقولون: “لا تأكله، لحسه إبليس”.
ويُقال أيضاً: “لا تمرّ من فوق حدا، بيقصر”، و”لا تشتري تياب يوم الأربعاء، بيحترقوا”، أما إذا ضاع غرض فجأة، فيُقال: “الجنّ استعاروه”!
اقرأ أيضاً: مسلسل آسر يجمع نخبة النجوم السوريين بعمل درامي مشوق
تطول قائمة الخرافات في سوريا وتطول، لتظن أن نصف حياتنا قائمة على خرافات، ولو من باب المزاح والتسلية، ولكن بالنسبة للذين يؤمنون بها حقاً، يجعلوننا نتساءل، لماذا يصدقونها؟
لماذا نصدق الخرافات؟
يوجد أسباب عديدة قد تجعل بعض الناس يؤمنون بالخرافات الشائعة، مثل الخوف من المجهول، فالإنسان بطبعه يخاف من أي شيء لا يمكن تفسيره، لذا يشعر بالراحة لفكرة أنه يربط الأحداث بأسباب واضحة، حتى لو كانت خرافية.
البيئة الاجتماعية لها دور كذلك، فكثير من الخرافات نسمعها ونحن أطفال من أهلنا وجيراننا، فتترسخ في الذاكرة، وتتحول لعادات لا شعورية.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون بحثنا عن شيء نسيطر عليه هو سبب تصديقنا لها، فعندما يشعر الشخص أنه فقد السيطرة على حياته، تعطيه الخرافة وهم السيطرة.
في الختام، رغم أننا نعيش في عصر التكنولوجيا، ما تزال هذه الخرافات تجد مكاناً بيننا، في تفاصيل حياتنا اليومية، بين قراراتنا وتصرفاتنا اللاواعية، وسواء صدّقناها أم لا، تبقى هذه الخرافات جزءاً لا يتجزأ من الهوية السورية، وحكايات متوارثة من جيلٍ يرتجف قلبه عن سماعها، إلى جيلٍ يعتبرها طرفة مسلية.
اقرأ أيضاً: حرب الأطباق الشهية بين المطبخين الحلبي والشامي