في لحظة تاريخية فارقة، اجتمع مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة 25 نيسان/أبريل 2025، في جلسة استثنائية لمناقشة التطورات السياسية والإنسانية في سوريا، بعد أربعة أشهر من سقوط سلطة الرئيس الفار بشار الأسد. تميزت الجلسة بحضور وزير الخارجية السوري الجديد، أسعد الشيباني، الذي رفع العلم السوري الجديد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، في محاولة منه لإرسال رسالة مفادها أن عهداً جديداً لسوريا قد بدأ.
سوريا الجديدة تطرق أبواب الشرعية الدولية
في أول ظهور له على الساحة الدولية، أكد الشيباني التزام الحكومة السورية بعدم تهديد الدول المجاورة، بما فيها «إسرائيل»، داعياً مجلس الأمن للضغط على الأخيرة للانسحاب من الأراضي السورية المحتلة. كما طالب برفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، معتبراً أنها تعرقل جهود الإعمار وتغذي الاقتصاد الموازي.
وأشار إلى خطوات حكومته في مكافحة الإرهاب، والتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتوحيد الفصائل المسلحة، وإطلاق حوار وطني شامل، تمهيداً لبرلمان يمثل جميع السوريين.
روسيا: دعم السيادة السورية والتحذير من التدخلات الخارجية
أعرب نيبينزيا عن قلقه من استمرار الاشتباكات بين الجيش الوطني السوري وقوات سوريا الديمقراطية، رغم الاتفاقات الموقعة لدمج الفصائل المسلحة ضمن هيكل أمني موحد. كما ندد بالغارات «الإسرائيلية» المتكررة على الأراضي السورية، خاصة في محافظة القنيطرة، مطالباً إسرائيل بالعودة إلى الالتزام باتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 وسحب قواتها من الأراضي السورية.
وفي كلمته، أشار نيبينزيا إلى التقدم في الحوار بين الحكومة السورية وقسد، بما في ذلك تسليم حي الشيخ مقصود في حلب وسد الطبقة على نهر الفرات للسلطات السورية، معتبراً ذلك خطوة إيجابية نحو تعزيز التماسك الوطني.
كما سلط الضوء على الوضع الإنساني المتدهور في المناطق الساحلية، خاصة في محافظتي اللاذقية وطرطوس، حيث لا يزال أكثر من 1.2 مليون سوري بحاجة ماسة للمساعدة، داعياً مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) إلى إيلاء اهتمام خاص لهذه المناطق.
الصين: دعوة لرفع العقوبات ودعم العملية السياسية
من جانبه، أكد فو تسونغ على أهمية احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، مشدداً على ضرورة رفع العقوبات أحادية الجانب المفروضة على سوريا، والتي تعيق جهود الإعمار وتفاقم الأزمة الإنسانية.
وأشاد بالخطوات التي اتخذتها السلطات السورية المؤقتة لتعزيز الانتقال السياسي، معرباً عن أمله في أن تواصل الحكومة السورية جهودها لتحقيق السلام والاستقرار.
كما دعا المجتمع الدولي إلى دعم العملية السياسية بقيادة سورية، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، مؤكداً على ضرورة توفير الدعم اللازم لسوريا لتجاوز التحديات الاقتصادية والإنسانية التي تواجهها.
الولايات المتحدة: شروط صارمة مقابل تخفيف العقوبات
من جانبها، أوضحت السفيرة الأمريكية بالإنابة لدى الأمم المتحدة، دوروثي شيا (Dorothy Shea)، أن واشنطن لن ترفع العقوبات إلا بعد تحقيق دمشق لعدة شروط، منها: التخلي الكامل عن الإرهاب – اتباع سياسة عدم الاعتداء تجاه الجيران – إقصاء المقاتلين الأجانب من المناصب الرسمية – منع استغلال الأراضي السورية من قبل وكلاء إيران – تدمير أسلحة الدمار الشامل المتبقية – التعاون في كشف مصير المواطنين الأمريكيين المفقودين – ضمان الحريات والأمن لجميع السوريين.
وأكدت شيا أن الولايات المتحدة تراقب سلوك السلطات الانتقالية وستتخذ قراراتها بناءً على نمط الأفعال، مشيرة إلى أن القيادة السورية الجديدة يجب أن تتجاوز ماضيها.
تحليلات متباينة للكلمة الأمريكية
أثارت كلمة السفيرة الأمريكية ردود فعل متباينة بين المحللين. يرى البعض أنها تعكس موقفاً حازماً يهدف إلى ضمان التزام الحكومة السورية الجديدة بالمعايير الدولية، بينما يعتبرها آخرون شروطاً تعجيزية قد تعرقل جهود الانتقال السياسي في سوريا. كما أشار بعض المراقبين إلى أن التركيز الأمريكي على دور إيران في سوريا قد يكون له دوافع جيوسياسية تتجاوز الملف السوري.
فعلى سبيل المثال، قال المحلل السياسي مصطفى المقداد، بأنّ استعداد الحكومة السورية بقيادة الشرع لفتح علاقات مع إسرائيل، لم يكن مفاجئاً للشارع السوري، “فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها”.
ويرى المحلل السياسي أنور الحمادة، بأنّ فكرة التطبيع مع إسرائيل، أو حتى السرعة في هذا المسار، ليست جيدة بالضرورة بالنسبة لسوريا، خاصة أنّ “الإسرائيليين أثبتوا من قبل في أكثر من مناسبة بأنّهم ليسوا أهلاً للثقة، ناهيك عن أنّهم يعلنون صراحة عدم نيتهم إعادة الجولان السوري وبقية الأراضي المحتلة”.
من جهته عبّر الصحفي أمين الأمين بأنّ: “الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد في العلاقات مع إسرائيل، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية”.
اقرأ أيضاً: هل اقترب تشكيل مجلس الشعب السوري الجديد؟
مواقف أخرى..
وأعرب مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، غير بيدرسون (Geir O. Pedersen)، عن ترحيبه بالتقدم السياسي في سوريا، لكنه في الوقت نفسه حذر من أن الوضع لا يزال هشاً، مشدداً على ضرورة إقامة عقد اجتماعي جديد وانتخابات عادلة. من جهتها، وصفت نائبة منسق الشؤون الإنسانية، جويس مسويا (Joyce Msuya)، الأزمة الإنسانية في سوريا بأنها من بين الأكبر عالمياً، حيث يحتاج حوالي 75% من السكان إلى مساعدات، ويعاني أكثر من نصفهم من انعدام الأمن الغذائي.
وفي حين دعت باكستان إلى إعادة تقييم شاملة للعقوبات، معتبرة أنها تعيق الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية، أدانت إيران الهجمات «الإسرائيلية» المستمرة على سوريا، ووصفتها بأنها انتهاكات للقانون الدولي. أما تركيا، فأكدت على أهمية دعم جهود سوريا في مكافحة الإرهاب، محذرة من أن العدوان «الإسرائيلي» يضعف قدرة سوريا على مواجهة تنظيم «داعش».
ختاماً، تشي جلسة مجلس الأمن الأخيرة بأن الطريق نحو الاستقرار لا يزال محفوفاً بالتحديات الكبرى والمخاطر، ويتطلب تعاوناً دولياً حقيقياً ودعماً ملموساً للشعب السوري في مسيرته نحو السلام والازدهار، فيما يشار إلى أنه لم يصدر بيان جماعي أو قرار بالإجماع عن جلسة مجلس الأمن حول سوريا، والتي كانت بالمجمل على شكل فقرتين، فقرة مصورة تحدث فيها المندوبون بحضور إعلامي، وفقرة تضمنت جلسة سرية – مغلقة لم يكن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني حاضراً فيها.