أحمد رحال: طبول حرب تُقرع شرقي سوريا

الأحد 23 تموز/يوليو 2023

لم يكن المراقب والمتابع للتحركات الأمريكية في شرقي سوريا بحاجة لتصريح جنرال أمريكي يقول فيه، وبتحذير شديد اللهجة: “إن الرد الأمريكي على أي تحرش إيراني قادم بقوات التحالف أو القوات الأمريكية سيكون خمسة أضعاف الردود السابقة” ليفهم مقدار التصعيد الأخير من وراء التحركات الأمريكية في سوريا، وفي كامل مناطق انتشار القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، فقد أعطى ذلك رسالة واضحة المعالم لحجم التعزيزات الأمريكية وجدية التدريبات وزخم المناورات التي أجرتها مؤخراً مع حلفائها المحليين والتي تقف خلفها أهداف جديدة تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لوضعها موضع التنفيذ.

وعليه، فإن الانتقادات الموجهة للاستراتيجية الأمريكية في سوريا بأنها “ضائعة” أو “غير واضحة تراجعت، ذلك أن هناك ملامح استراتيجية أمريكية جديدة، قد تكون أُجبرت عليها القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط بعد سلسلة تهديدات ميدانية-عسكرية تعددت مسارحها السورية، ويقف خلف ذلك تهديدات ميليشيات إيران وبدعم روسي معلن، وأن تحدي الهجوم بالمسيرات الإيرانية على قاعدة “خراب الجير” الذي تتخذ منه القوات الأمريكية قاعدة عسكرية لها بريف “اليعربية” شمال شرقي الحسكة، قد آلم الجانب الأمريكي، وقد ترافق هذا التحدي مع تحركات روسية على الأرض السورية وبتعاون مع إيران عبر تطوير وتدريب وتسليم ميليشيات إيران عبوات ناسفة متطورة مضادة لآليات التحالف الدولي في شرقي الفرات، والخطوة الروسية باتت مفضوحة وتهدف لجعل المسرح العسكري السوري ساحة استنزاف للقوات الأمريكية كرد وانتقام عما تقدمه الأخيرة من دعم للقوات الأوكرانية التي تخوض حرباً مع روسيا كبدتها فيها خسائر فادحة أضرت بصورة جيش بوتين وبمكانة روسيا السياسية.

في إطار التحركات والتعزيزات العسكرية الأمريكية، وصلت أسراب من طائرات أمريكية حديثة إلى القواعد الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ثم لحقت بتلك الأسراب الغواصة الأمريكية الأحدث (يو إس إس فرجينيا) مع 154 صاروخ توماهوك لدعم القوات الأمريكية في المنطقة، وترافق استقدام أسراب الطائرات الأمريكية مع تعزيزات عسكرية “نوعية” قدمت لشرق الفرات وقاعدة التنف، وتم تأكيد وصول أكثر من 1200 قافلة أسلحة وذخائر للقواعد الأمريكية منذ بداية هذا العام، لحقت بها مباشرة إجراء مناورات مشتركة مع الحلفاء المحليين من “جيش سوريا الحرة” و”قوات الصناديد” وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، استخدم فيها عتاد أمريكي جديد مثل “عربات برادلي، دبابات، منظومة صاروخية هيمارس، صواريخ دفاع جوي محمولة على الكتف، والمراقب لا يحتاج لكثير من الجهد ليدرك أن تلك التدريبات وبتلك الأعتدة ليس هدفها تنظيم داعش الذي بات ضعيفاً وشبه موجود، بل إن الهدف أكبر من ذلك في الغالب هي ميليشيات إيران، وأنها المقصودة بتلك التحضيرات والتدريبات، مع تسريبات غربية تتحدث عن توافق أمريكي-إسرائيلي بأن حجم الوجود الإيراني في سوريا زاد عن هدف حماية نظام الأسد من السقوط، وأن التوسع والتمدد الإيراني خاصة على حدود الجولان المحتل وعلى الحدود الأردنية مع سوريا بات يهدد المصالح المشتركة لكل من أمريكا وإسرائيل في المنطقة، بل إن هناك تهديد آخر أُضيف لمخاطر التوسع الميليشياوي الإيراني يكمن في بناء وتهيئة بنية تحتية خطيرة على الأرض السورية لتصنيع وتحضير ونقل وتهريب المخدرات لكامل الدول المحيطة بسوريا، وحتى لدول حوض المتوسط وما بعد المتوسط، خاصة بعد أن سيطرت ميليشيات إيران وبتوافق مع النظام على معظم المعابر البرية والبحرية والجوية السورية.

يقول المبعوث الأمريكي السابق للملف السوري، والعقيد المتقاعد، جويل ريبورن، إن “الخطأ الاستراتيجي الأكبر للديموقراطيين وللرئيس (أوباما) تمثل بالتنازل عن مناطق الجنوب السوري لصالح روسيا ونظام الأسد وإيران، وأنه كان الوثوق بالوعود الروسية خطأً جسيماً عبر تعهدها بإبعاد إيران عن الجولان وعن الحدود الأردنية” ليتابع: “وإن الخطورة في تلك الخطوة أننا لا نستطيع إصلاحها”، غير أن تسريبات عسكرية واستخباراتية تناقلتها وسائل إعلام غربية مؤخراً عن أن هناك خططاً أمريكية منها ما تعمل عليها وزارتي الدفاع الأمريكية والإسرائيلية كخطة عملية عسكرية بديلة ضد إيران في حال فشل المفاوضات النووية مع طهران، وأن تكون هناك ضربات جوية ساحقة ماحقة لقدرات إيران العسكرية في داخل أراضيها والخارج، وهذا ما يستدعي تحضير القوات الأمريكية في كامل منطقة الشرق الأوسط وخاصة في مناطق التماس مع ميليشيات إيران كما في سوريا، وبالتالي كان لابد من تلك التدريبات والتحضيرات التي حصلت مؤخراً.

ثمة من قال إن توسيع رقعة الحرب مع إيران ليست هدفاً أمريكياً حالياً خاصة أن الانتخابات الأمريكية على الأبواب العام القادم 2024، وأن إدارة الديموقراطيين لا يمكنها المغامرة بحرب غير معروفة النهايات قد تشكل عاملاً ينعكس سلباً على صناديق الانتخابات، لكن هناك بدائل، ويمكن الوصول لنتائج إيجابية عبر عملية عسكرية محدودة ضد الميليشيات الإيرانية في سوريا تسحب فيها الكوريدور الإيراني ما بين منطقة الـ55 ومدينة ومعبر البوكمال على الحدود العراقية السورية من يد إيران، وتصل قاعدة التنف بمناطق شرقي الفرات، وأن العملية العسكرية قد تمتد للحدود الأردنية عبر ريف مدينة السويداء لوضع كامل الحدود الأردنية ولو عن بعد تحت رقابة قوات التحالف الدولي لوقف أنشطة إيران وتجارة الكبتاغون.

ويبقى السؤال فيما إذا كانت الطائرات الأمريكية والقوى الجوية الإسرائيلية قادرة على حسم المعركة جواً وتنفيذ ضربات جوية قوية على أهداف إيران الأرضية، لكن من هي القوات الأرضية التي سترسم خرائط النفوذ على الأرض، باعتبار أن قوات المشاة هي من تُثبت وتقطف ثمار نتائج الضربات الجوية؟

بعض المصادر قالت إن التحالف الدولي والبنتاغون الأمريكي يدرك تماماً أن قوات سوريا الديمقراطية “قسد” لديها تصور واضح وقرار مسبق أنها ترفض الاشتراك بأي حرب خارج مناطق شرق الفرات، وأن لديها قناعات راسخة بأن الانجرار لحروب خارجية مع إيران وحزب الله ونظام الأسد، قد يدمر مناطق شرق الفرات، وهو ما حاولت تجنيبه الدمار في كامل فترات الثورة السورية، حيث آثرت بناء تفاهمات مع أجهزة نظام الأسد العسكرية والاستخباراتية تقضي بتركها بالمربعات الأمنية مقابل الحفاظ على سلامة البلدات والمدن من ضربات النظام الذي سبق ودمر حلب الشرقية ودير الزور وإدلب ودرعا وغيرها من مدن وبلدات، وعادت قسد مؤخراً لتؤكد هذا المبدأ عبر تصريح لقناة الحدث قالت فيه: قوات “قسد” لن تشارك في أي عملية أمريكية متوقعة ضد ايران غرب الفرات، لكن موقف قوات “قسد” قد لا يثني القوات الأمريكية والتحالف الدولي عن إيجاد البديل، وبرز الأمر واضحاً بتفاهمات حصلت مؤخراً بين قوات الصناديد التابعة لقسد وبين جيش سوريا الحرة، أو عبر لواء ثوار الرقة أو عبر تجميعات عسكرية جديدة تعمل عليها بعض الأطراف وتتمثل بما بات يُعرف بالحزام العشائري، وكلها قوى قد تشكل بديلاً مؤقتاً عن قوات “قسد” إذا ما أرادت واشنطن حسم معركة شرقي سوريا، لكن مؤخراً تم تسريب معلومات عن تفاهمات أمريكية تركية جديدة تتضمن نقل بعض فصائل الجيش الوطني من شمال غربي سوريا إلى قاعدة التنف لتكون جزءاً من القوات الأرضية المشاركة بمعارك الشرق السوري ضد ميليشيات إيران.

هل تحسمها واشنطن وتعيد رسم خرائط نفوذ جديدة في سوريا تجعل منها أوراق ضاغطة على نظام الأسد وحلفائه بالانصياع لحل سياسي سوري قادم طال انتظاره على السوريين، أم أن كل ما يجري وكل ما يُسرب عن قرع طبول حرب في الشرق السوري لا يعدو كونه أوراقاً عسكرية ضاغطة لصالح طاولات تفاوض أمريكية إيرانية منعقدة سراً بأكثر من عاصمة ومكان؟

المصدر: نورث برس

مقالات أخرى للكاتب

سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.